د. سعيد وليد الحاج*
في ضوء “التنابز الجغرافي”،وتحميل المسؤوليات بعد اعتقال الأسيرين الأخيرين من أبطال نفق الحرية في جنين،أوجّه هذه الرسالة:
ليس هناك مناضل، يمنّ على الناس بنضاله ،ولا مقاوم يزايد على الآخرين بمقاومته.
المزايدات،ولا سيّما إذا اتسمت بالتخوين والتعميم،هي نتاج الجهل،أو الحقد، أو أمور أخرى أسوأ، ومؤدّاها سلبي بالمطلق ،مهما كانت نوايا مطلقها حسنة، أو تبدو حسنة.
التمايز النضالي أو المقاوم بين “الجغرافيات” الفلسطينية،لم يكن يوماً بسبب جينات مختلفة،أو عوامل متعلّقة بالاستعداد للعمل والتضحية، وتحمّل التبعات،أي بمعدن الناس ووطنيتهم، وإنما كان دائماًَ، بسبب اختلاف الظروف.
في فترة ما،كان الداخل الفلسطيني بعمومه ساكناً، وبدأ النضال من الخارج،حيث انطلقت معظم الفصائل الفلسطينية الكبيرة.لاحقاً انتقل العمل المقاوم بالكامل تقريباً للداخل.
في فترات ما، اتّهم البعضُ الفلسطينيين داخل الخط الأخضر بالرضوخ للاحتلال،وقبول الأسرلة وما إلى ذلك، بينما الكل تغنىّ ببطولات أهلنا في 1948،وتشكيلهم خطراً استراتيجياً على الكيان الصهيوني في المعركة الأخيرة(سيف القدس).
في الانتفاضة الأولى،ثم الثانية،كان ثمة تنافس محمود بين الضفة وغزة، لكن ظروف الأخيرة، اختلفت بشكل جذري بعد الانسحاب “الإسرائيلي”،ثم بعد الحسم في 2007، لتتحوّل إلى “قلعة” للمقاومة تخفي شاليط لسنوات، وتواجه العدو في عدة مواجهات …الخ، مما لا تقدر الضفة على جزء يسير منه.
(ما زلت أذكر دهشتي الكبيرة،حين حدّثني بعض الأصدقاء عن وضع غزة قبل الانتفاضة الأولى على جميع الصعد).
الفكرة في الظروف،وليس في معدن الشعب/الناس ووطنيتهم،رغم أنه لا يمكن إعفاؤهم بالكامل من مسؤولية تشكّل الظروف،وعدم تغييرها،فنحن أنفسنا جزء من السياقات التي تشكّل الظرفية، وإلاّ أصبحنا من روّاد نظرية الجبرية المطلقة،لكن ذلك لا ينبغي أن يؤدّي إلى وصم مناطق أو شرائح معيّنة بالخذلان أو الخيانة، أو ما إلى ذلك.ليس فقط،لأن هذا مخالف للمنطق والحقيقة والتاريخ، ولكن أيضاً لأنه يخدم سردية الاحتلال،وما يريد إقناعنا به.
وحين يأتي ذلك ممن لا سهم مباشراً وعملياً لهم في المقاومة، وهذا حال الغالبية، يكون مناط الغرابة والاستهجان أكبر بكثير .
ومن كان يبحث عن الحقيقة،فليبحث أين كان الأسيران طيلة 11 يوماًَ،ومن ساعدهم، وآواهم مخاطراً بنفسه وعائلته ومحيطه، أم أن الحماية هذه المدة لا تحال على جنين، بينما اعتقالهم فقط هو الذي يرتبط بها؟؟!!!
أخيراً، من المفهوم أن هناك عميلاً/عملاء، ساهم/وعلى الأغلب في تقديم المعلومة للاحتلال، سواء بشكل فردي (عملاء مباشرين للاحتلال)،أو مؤسّسي (أجهزة السلطة)،لكن هذا ليس سبباً لشتم جنين، أو الضفة، أو غيرهما بهذا التعميم. قولوا الحقيقة كما هي.اشتموا العملاء الذين شاركوا، واشتموا المنظومة (أوسلو وتوابعها)،التي صنعت الوضع الحالي للضفة، واعملوا على تغييرها.أما استسهال شتم الناس،ووصم المناطق،فليس من الحقيقة في شيء،وليس من الرجولة والمروءة في شيء.
وعلى سيرة التعميم، بالتأكيد أن المقاومة تتحمّل جزءاً من واقع ضعفها الحال،وينبغي دائماً أن تعمل على كسر الحلقات التي تحيط بها، وأن تجترح المستحيل، لأن فكرة المقاومة نفسها قائمة على هذا المنطق.أما المساواة في تحميل المسؤولية بين منظومة السلطة بأجهزتها الأمنية، وبين المقاومة المستضعفة في الضفة ،فيما حصل للأسرى الستة، فلا تنبع مجدّدا إلا من جهل أو حقد أو اكثر من ذلك،وليس من الحقيقة،ولا المروءة في شيء.
من لم يجد في نفسه القدرة على قول الحقيقة كما هي، فليحاول الصمت، لعلّ له في ذلك عذراً، أما بطولات تحميل المسؤولية للجميع بشكل متساو (أو متفاوت بدرجات قليلة)،فلم تعد مستساغة في واقعنا، بعد كل الشواهد والقرائن التي أكدت تهافتها.
*كاتب فلسطيني
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)