تحليل سياسي: خلفيات ” اجتثاث ” العدالة والتنميّة انتخابيّا !
472 2 دقائق
د. محمد أمين البقالي* لا أحد يستطيع أن يدّعي، أنه كان يتوقّع أن يسقط حزب “العدالة والتنمية “الإسلامي في المغرب، هذا السقوط المدوّي.الجميع كان يتوقّع تراجعه،لكن ليس ” اجتثاثه” انتخابيا !…حتى أجهزة الدولة، يبدو أنها فوجئت بحجم الانهيار ،بدليل انها أقرّت” القاسم الانتخابي”،لتحدّ من “تغوّل” العدالة والتنمية ،فإذا به يساعده في النجاة من الانهيار الكامل. لذلك، نحتاج إلى بعض التواضع ،في تحليل التحوّلات السياسية التي يعرفها المغرب! و ضمن هذا التواضع المطلوب،أقدّر أنه لفهم أسباب هذه النتيجة، لابد من العودة إلى كتلته الناخبة ،التي أوصلته إلى السلطة في الانتخابات السابقة، فهي التي أنزلته في هذه الانتخابات من “صياصيه”. وهذه الفئات هي : 1/ القريبون فكريا من الحزب،بحكم مرجعيته الإسلامية: وهؤلاء ملتزمون بما يمكن تسميته بالتصويت الهويّاتي لصالح الحزب،بغض النظر عن منجزه الاقتصادي،أو موقفه السياسي. 2/ الطبقة المتوسطة الحضرية:وهي لا تتقاسم بالضرورة مع الحزب مشروعه الفكري،ولكنها راهنت فيه على نظافة اليد،وعلى شعاراته بشأن محاربة الفساد،وتخليق الحياة العامة،بما يحدّ من استنزاف هذه الطبقة التي تدفع الضرائب أكثر من غيرها ( لأنها لا يمكنها التهرّب منها، نظرا لكون العمود الفقري لهذه الطبقة يتشكّل من الموظفين). 3/الحالمون بتغيير سياسي،متدرّج سلمي من داخل المؤسسات،بما يضمن تفعيلا لدستور 2011،مع توسيع هوامش الحرية واحترام حقوق الإنسان. وهؤلاء ورغم اختلاف عدد كبير منهم مع المشروع الفكري للحزب،فقد بحثوا عن نقاط الالتقاء معه، ورأوا فيه قوة مجتمعية قادرة على تجسيد هذا التغيير. ماذا حدث؟ خيّب الحزب آمال كل هذه الفئات مجتمعة! فالفئة الأولى،تلقّت صدمتها الأكبر مع مشهد الأمين العام للحزب سعد الدين العثماني، وهو يوقّع على اتفاقية التطبيع، ومع قوانين صادقت عليها الحكومة التي يرأسها،مثل القانون المتعلّق بلغة التعليم ( الفرنسية). أما الفئة الثانية(الطبقة المتوسطة)،فقد كانت أسباب خيبتها كثيرة: تحرير المحروقات دون تفعيل قانون التسقيف ( والمفارقة أن المستفيد الأول من هذا القانون هو عزيز أخنوش بحكم امتلاكه لمجموعة شركة إفريقيا)،قانون التقاعد مع الأساتذة… ناهيك عن غياب أي إجراءات لصالح هذه الطبقة التي أحست بالخذلان. أما الفئة الثالثة،( الراغبون في التغيير السياسي)،فقد فقدت كل أمل في الحزب، بسبب ما عرفته البلاد في عهد حكومة العثماني من اعتقالات للصحافيين،وتراجع هوامش الحرية وغيرها ! هكذا بدا أن حزب العدالة والتنمية،لم يبق له صديقا، فكان لا بد أن يدفع الفاتورة “كاش”. وزد على هذه الأسباب المتعلّقة بالأداء الباهت للحزب،مشاكله الداخلية ،وضعف كاريزما أمينه العام.
– وحدة الصف الداخلي: العدالة والتنمية دخل هذه الانتخابات منهكا بالخلافات الكبرى، بين شقيّن ،أحدهما محسوب على بن كيران،والثاني على القيادة الحالية، وبينهما أغلبية ممتعضة قلقة من مسار الحزب واختياراته. وليس سرّا ، أن عددا من أعضاء الحزب،لم يشاركوا في الحملة الانتخابية، أو شاركوا بالحد الأدنى، بعدما لم يعودوا يجدوا أنفسهم في خطاب قيادة الحزب.
– الأمين العام للحزب سعد الدين العثماني،لسوء حظه، أنه خلف “وحشا” سياسيا وتواصليا هو عبد الاله بن كيران. هذا جعل المقارنة لغير صالحه.وبدا واضحا، أنه أنه لم يملأ موقعه لا داخل الحزب ولا خارجه، والنتيجة كما تعلمون! طبعا، هناك حديث عن المال السياسي والخروقات الانتخابية،لكن تأثير هذين العنصرين -في تقديري- غير كاف لتفسير هذه النتيجة،لأنهما توفّرا أيضا في الانتخابات السابقة ،التي حصل فيها العدالة والتنمية على 125 مقعدا.يجب أن نتذكّر أن الكتلة الناخبة للحزب،مشكّلة أساسا من الطبقة المتوسطة الحضرية،وهذه الطبقة في العادة لا تبيع أصواتها.
* مراسل قناة الجزيرة في باريس.حاصل على دكتوراه في علم الاجتماع. وخريج المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط. محاضر وكاتب متخصص في علم الاجتماع الإعلامي