بقلم: قطب العربي*
مع إعلان هزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المغربية الأخيرة، تصاعدت صيحات نهاية التاريخ لتيار الإسلام السياسي؛ليس في المغرب فقط،ولكن في عموم المنطقة والعالم. صيحات لم تتوقّف مع كل انتخابات خسرها الإسلاميون من قبل في دول أخرى ،حتى وإن عادوا بوضع أفضل في انتخابات تالية،كما حدث في الجزائر مؤخرا.
هذه الصيحات ،تبدو تفكيرا رغائبيا لأصحابها،ونوعا من الثأر والمكايدة السياسية، ولا تعبّر عن واقع حقيقي لتجذّر التيار الإسلامي (والذي لا يقتصر على الإخوان المسلمين) في عموم دول المنطقة، حتى وإن تعرّضت الكثير من تجاربه للفشل أو الإفشال.والغريب أن أصحاب تلك الصيحات لا يريدون لغيرهم ،أن يعلن وجهة نظر مغايرة تفسد بضاعتهم التي يريدون ترويجها، وفرضها كحقيقة لا تقبل الجدل.
الهوية الإسلامية لشعوبنا عميقة، وتربة بلادنا أكثر قبولا لمن يعبّر عنها من أحزاب أو تيارات أو جمعيات،وإذا أرادت بعض الأحزاب العلمانية، كسب المزيد من الأصوات، فإنها تسعى ولو شكليا للاقتراب من هذه الهوية. شهدنا ذلك في تركيا التي أصبح قادة أحزابها العلمانية المتطرفة ،يقرؤون القرآن في اللقاءات العامة، ويزورون المساجد، ويحضرون المناسبات الدينية للتقرّب من الفئات المحافظة.فعل ذلك أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية اسطنبول المنتمي لحزب الشعب الجمهوري؛ الممثّل الأبرز للعلمانية الأتاتوركية، ومحرم إنجه المرشّح الرئاسي السابق للحزب، بل فعله رئيس الحزب ذاته كمال كليتشدار أوغلو وغيره من الرموز العلمانية، وهو ما يتكرّر كثيرا في الأحزاب المصرية خلال الحملات الانتخابية.
حزب العدالة والتنمية المغربي، الذي يتّخذ البعض من هزيمته مؤشّرا على نهاية التاريخ للأحزاب والقوى الإسلامية عموما، قاد الحكومة المغربية لفترتين على مدار عشر سنوات،حقّق خلالها نجاحا اقتصاديا للمغرب،نقله من المركز 143 عام 2011 (أول سنة لحكومة الحزب) إلى المركز 53 في العام 2020 (السنة قبل الأخيرة لحكومة الحزب)،وفقا لتقرير البنك الدولي، محقّقا المركز الأول في منطقة شمال أفريقيا، أي أن الحزب نجح بالفعل على الأقل خلال دورته الأولى، ما أهّله للفوز بدورة ثانية.وقد تعاظمت أخطاؤه في الدورة الثانية،فعاقبه الناخبون وهذا حقّهم.
وكان الكثيرون ممن يهاجمون الحزب الآن، يقدّمونه من قبل باعتباره النموذج المثالي للأحزاب المعتدلة؛التي نجحت في التوفيق بين مرجعيتها الإسلامية وتحديات السياسة وإدارة الدولة، وهو نفس ما فعلوه مع حركة النهضة التونسية، التي ظلّت توصف لسنوات بالحكمة والرشد السياسي، وما أن وقع الانقلاب الدستوري للرئيس قيس سعيّد، حتى انهالت عليها نفس السكاكين لتصفها بكل نقيصة، ولتعتبر التنازلات التي قدّمتها هي السبب.
الشامتون في حزب العدالة والتنمية، يتّخذون من هزيمته الانتخابية مدخلا للشماتة في جماعة الإخوان،باعتبار الحزب هو فرعها في المغرب، ولم يكلّفوا خاطرهم البحث لبضع ثوان في “جوجل”، ليتعرّفوا على وضع الحزب،والذي يمثّل الجناح السياسي لحركة التوحيد والإصلاح، لكنه منفصل عنها بهياكله وقياداته،وإن اتّفقا في المشروع العام. وحركة التوحيد والإصلاح ذاتها ،وإن كانت قريبة من المدرسة الإخوانية بشكل عام، إلا أنها ليست فرعا تنظيميا لها.
لن نتوقّف كثيرا عند هذا الكسل البحثي، ولنعتبر الحزب – رغم انفه!! – هو ممثّل الإخوان في المغرب، وهنا قد تصبح هزيمته في الانتخابات، خسارة له ولقواعده محليا، لكنّها في الوقت نفسه، تثبت أن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية،هي أحزاب ديمقراطية “بجد” ،تقبل نتيجة الانتخابات أيّا كانت، عكس أدعياء الديمقراطية، وتعترف بخسارتها، وتصحّح خطأها.
وقد تابع الجميع ،تقديم الأمانة العامة للحزب استقالتها، متحمّلة المسؤوليّة عن تلك الهزيمة، وغالبا سيخوض الحزب عملية مراجعات قاسية لمجمل السياسات التي تسبّبت في خسارته، سواء كانت أخطاء في الإدارة الاقتصادية،التي حقّقت نجاحات على المستوى الكلي،لكنها أضرّت بالمواطن على المستوى الجزئي،أو على الأقل لم يشعر بثمارها، أو أخطاء سياسية مثل تصدّره لتمرير التطبيع مع الكيان الصهيوني،رغم أن هذا الملف يخصّ القصر، أو تمريره لقانون فرنسة التعليم، أو تقنين زراعة القنب.كما قد تشمل المراجعات سياسة التنازلات،التي استمرأها الحزب،والتي أزعجت قواعده وحاضنته المجتمعية المحافظة،والتي تخلّت عنه في الانتخابات الأخيرة، وكانت من قبل تمثّل ماكينته الانتخابية الجبّارة.
وما يجدر ذكره هنا، أن عملية تداول السلطة في المغرب،تتم في هامش ديمقراطي محدود جدا، لا يسمح لحزب بالبقاء طويلا في السلطة ،حتى لو كان مستحقا لذلك، حتى لا يؤسّس لنفسه شرعية ينافس بها القصر والمخزن.وفي ظل هذه الديمقراطية الشكليّة، يحوز الملك معظم السلطات، وتبقى الحكومات مجرّد ذراع تنفيذي.
*كاتب مصري
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)