أوّاب إبراهيم المصري*
لم يكن انقلاب الرئيس التونسي مفاجئاً، بعدما تمّ التمهيد بخطوات داخلية وخارجية،فوسائل إعلام الثورة المضادة تضع تونس منذ سنوات على رأس اهتماماتها. إذا تعثّر راشد الغنوشي في مشيته، يصبح تعثّره عنواناً في نشرات الأخبار، وإذا عطس أحد خصومه، تصبح العطسة قضية محورية لبرامج خاصة، بعدما نقل الغنوشي إليه عدوى الانفلونزا.
الانقلاب الرئاسي في تونس، أعاد التذكير بعدد من العِبر التي يُفترض أنها بديهية، لكن من المفيد التذكير بها.من هذه العِبر ما كان يكرّره الغنوّشي خلال السنوات الماضية، من أن فوز طرف ما بأغلبية في الانتخابات النيابية، لا يعني قدرته على الحكم، فالحكم يتطلب النفاذ لطبقة النُخب في الدولة، وهي تشمل السياسيين والعسكر والأمن والقضاء ورجال الأعمال والاقتصاد والفنانين والإعلاميين والنقابات.. أما إذا اقتصر التأييد على الطبقة المتوسطة والدنيا، ولو تمّ الحصول على أغلبية، فإنه لن يُسمح له الاستمرار بالحكم إذا وصل.هذا ما حصل في تجربة الإخوان المسلمين في مصر، وما يتم التحضير له لحركة النهضة في تونس.
العِبرة الأخرى ،هي سهولة الانخداع بالأشخاص. فأداء قيس سعيّد “الروبوتي” المضحك، وسطحيته، وسفاهته ،وعدم وجود خلفية سياسية ،له خدعت البعض بتأييده والتصفيق ،له بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية،لكن هذه السطحية والسفاهة ،شجّعت جماعة الثورة المضادة لاستمالته ومساندته، وتغذية عدائه لحركة النهضة ،وصولاً للقرارات الانقلابية الأخيرة.
من العِبر كذلك، أن الانقلاب فضح وجوهاً كثيرة خاصة بين التونسيين، كانوا يخفون بُغضهم لحركة النهضة وسَمتها الإسلامي. هذه الوجوه كانت تسخر من قيس سعيّد بعد وصوله للرئاسة وتنتقص منه، لكن بعدما بدأ بمخاصمة حركة النهضة والانقلاب على الديمقراطية، تحوّل سعيّد من شخص يستحق السخرية والاستهزاء لقائد فذّ ،ورئيس مُلهم يتمّ التصفيق له، ليس إعجاباً به،بل كراهية بالنهضة وخلفيتها الإسلامية.
من خلال قراءة لأحجام كتل مجلس النواب التونسي، يتبيّن أن حركة النهضة تملك نفوذاً فيه، لكنها لا تسيطر عليه. ربّما هي أكبر الكتل (52 مقعداً)، لكنها جزء من آخرين. لكن رغم الدور المتواضع للنهضة في مجلس النواب وفي الحكومة وفي إدارات الدولة، ليس مسموحاً نجاح حركة تحمل سَمتاً إسلامياً ،رغم تقديمها الكثير من التنازلات، وتخلّيها عن العديد من المبادئ، تقديماً لمصلحة الوطن ،وحرصاً على التعاون مع الآخرين. لكن ذلك لم يكن كافياً للثورة المضادة التي تريد إفشال أي تجربة تحمل نكهة إسلامية،لذلك كان الإصرار والعناد طوال السنوات العشر الماضية لإجهاض التجربة الديمقراطية في تونس ،حتى لا تشكّل سابقة قد تشجّع غيرها.
لعلّ أخطر ما حمله الانقلاب الرئاسي في تونس،هو أنه قدّم حجّة إضافية لدعاة المسار العنفي بفشل المسار الديمقراطي،وأنّ المسار الديمقراطي السلمي يكون محموداً ومرحّباً به فقط حين يكون الإسلاميون خارج اللعبة، أما حين يدخل الإسلاميون اللعبة، ويكونون شركاء في مؤسسات الدولة، فالمسار الديمقراطي لا يبقى له محلّ من الإعراب، وتحلّ مكانه الأحكام العُرفية،وتجميد الدستور ،وإقفال المؤسسات الدستورية،وإقالة الوزراء، ونزع الحصانات عن النواب تمهيداً للإطاحة بهم.
أياً كانت ما ستؤول إليه الأمور في تونس، فإن ما شهدناه في الأيام الماضية، كشف أن المسار الذي انتهجته حركة النهضة على مدى عشر سنوات لم يؤتِ ثماره، وأن التنازلات التي قدّمتها لم تلاقِ من خصومها ،إلا طمعاً بالمزيد ورغبة متزايدة بالإطاحة بها،وأن المعادين للخيار الإسلامي لن يرضوا عن الإسلاميين، ولو أضاؤوا أصابعهم شموعاً.
* كاتب لبناني
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)