ماجد حسن*
في الدول المتخلّفة -والذين يطلقون عليها مجازا الدول”النامية”-،وفي الأنظمة الدكتاتورية ،عندما تحصل فيها مصائب أو كوارث،أو ترتكب فيها جرائم، نتيجة ظلم، أو فساد،أو أخطاء،فإن الأبواق الإعلاميّة للأنظمة السائدة فيها ،بدل أن تتّجه لتحديد أسباب هذه المصائب، وهذه الأخطاء، ومعالجتها،فإنها تبدأ بإطلاق التهم نحو عدو مُتوهّم ،وتصبّ نار غضبها عليه..ومن باب المثال لا الحصر، عندما حصلت مآسي القطارات والعبّارات في مصر، خرج إعلام”السيسي” محمّلا “الإخوان” المسؤولية عما حصل، وان”الإخوان” هم المسؤولون عن تخريب السكك الحديدية في مصر،وأنهم قاموا باغلاق العبّارات المائية من أجل إسقاط النظام،وكل مشكلة تحصل منذ تاريخ الانقلاب إلى الآن في مصر، سواء كانت تافهة أو كبيرة، فإن “الإخوان”هم سببها ،وهم المسؤولين عنها،والحديث في هذا الموضوع يطول ..أمّا في الدول الديمقراطية، والتي ينتخب الشعب فيها ممثليه، فإن الصورة عكسية تماما. في الواقع الفلسطيني، وقعت مؤخّرا ،جريمة مكتملة الأركان، ارتكبت بحق ناشط سياسي، أدّت إلى مقتله بصورة وحشية،ترتّب عليها انتفاض جماهير الشعب الفلسطيني ونزولها إلى الشوارع، تنديدا واستنكارا لما حصل..وبدلا من أن تذهب السلطة إلى معالجة الموقف،وتضع يدها على أسباب الداء، ومحاسبة المتورّطين عما ارتكبت أيديهم من جريمة نكراء، هزّت الضمير الإنساني بأسره ،لجأت السلطة إلى اختراع عدو وهمي اسمه”حماس”،واعتبرته رأس حربة لمؤامرة كونية، هدفها الانقلاب على السلطة وإسقاطها،ومن ثم بدأ التجييش ضد هذا العدو الوهميّ، وإطلاق التهديد والوعيد ضده، ونكأ الجراح ،وبثّ الأكاذيب والافتراءات،التي ظنّ كثير من الناس أنه تم تجاوزها ،..وهنا،وإزاء مثل هذا الخطاب من قبل الإعلام الرسمي الفلسطيني،وعملية الشحن والتحريض الهائل،الذي يتم شحن أبناء حركة “فتح” فيه،من حق اي فلسطيني أن يسال اصحاب نظرية المؤامرة المزعومة هذه:
*هل أبناء الشعب الفلسطيني، والذين خرجوا بالألاف، هم دمى في يد “حماس”،تحرّكهم وقت ما تشاء، وكيفما تشاء؟!
*هل حماس، هي التي أعدمت “نزار بنات” بهذه الصورة الوحشيّة، والتي هزّت ضمير كل أحرار الشعب الفلسطيني-بل كل أحرار العالم- في كل أماكن وجودهم؟!
*هل ابناء “حماس” وأنصارها، هم وحدهم ممن أدانوا واستنكروا، وامتلأت نفوسهم بالحزن والغضب تجاه ماجرى؟! ألم تقرأوا ما كتبه الآف النشطاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي-ومعظمهم لا ينتمي إلى أحزاب سياسية – لتعرفو ا حجم الغضب الذي خلّفته هذه الجريمة،وجزء لا يستهان به من هؤلاء،هم من أبناء حركة “فتح “نفسها؟!
*هل منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية -وهي بالعشرات-،والتي استنكرت وأدانت ما حصل من قمع وظلم واجرام بحق المتظاهرين السلميين،هم أداة من أدوات”حماس”؟!
*هل أبناء حركة فتح، الذين استنكروا وأدانوا ما حدث من إجرام،وهم بالعشرات،ووقفوا موقفا يستحق الاحترام والتقدير،وأعلنوا بكل وضوح استقالاتهم من مواقعهم التنظيمية،ومن وظائفهم في السلطة، هم ياتمرون بأوامر”حماس”؟!
*هل “حزب التحرير”،والذي نزل أنصاره بالألآف إلى الشوارع ،والذي يختلف مع “حماس في معظم الرؤى السياسية،ياتمر بأوامر”حماس”؟!
هذا الخطاب، لم يعد يقنع طفلا صغيرا في الشارع، وها هو الكل الفلسطيني -بما فيهم أحرار فتح وشرفاؤها -يقول لكم : إن اسطوانة غزّة والضفة،وفتح و”حماس”،هي اسطوانة مشروخة،لم تعدّ تنطلي عل أحدٍ ،ولا يمكن أن يقتنع بها أحد،سوى المضَلّلين، والمسلوبة عقولهم،والجهلة والغوغاء ،وأما من يحترم عقله،ويملك ضميرا حيّا،فإنه يأبى أن يصدّق مثل هذه الترّهات !!
القضية الآن، هي قضية شعب باكمله ،يقف أمام فئة استأثرت بالمشهد الفلسطيني الرسمي،واستأثرت بمقدّرات الشعب الفلسطيني،ولا تريد انتخابات يقول فيها الشعب كلمته في اختيار ممثّليه،وتمارس كل أنواع القمع والاستبداد بحق أبناء الشعب الفلسطيني،والتي كان آخرها -وليس نهايتها-اغتيال الشهيد “نزار بنات”!!
إن كنتم جادين في استدراك الموقف،ومعالجة تداعيات الجريمة النكراء،حاسبوا أنفسكم ،وضعوا يدكم على أسّ الداء-مع أنني لست متفائلا بذلك- وهو عقلية وثقافة الاستبداد ،والظلم، والتفرّد ،والفساد، وعدم قبول الشراكة مع الآخر الوطني ،والاستئثار بمقدّرات الوطن من قبل فئة متنفّذة من الفاسدين،وعدم القبول بإجراء الانتخابات، وعدم الاعتراف بفشل مسار سياسي استمر عشرات السنين ودمّر المشروع الوطني وأعاده إلى الوراء !!
لا تُلقوا بخطيئاتكم التي ارتكبتموها بحق الشعب الفلسطيني،والمآسي التي سبّبتموها له على كاهل عدو مُتَوهّم، ليس له فيما حصل ناقة ولا بعير!
أفيقوا من سباتكم قبل فوات الاوان،فالخطاب الذي تتبنونه، هو خطاب المفلس، فالشعب لا يرحم ،والتاريخ لا يرحم، والكيّسّ من اتعظ بغيره .. وفلسطين لا يُعمرّ فيها ظالم!
*كاتب فلسطيني
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)
زر الذهاب إلى الأعلى