مقالات

لن يسقط مرسي من الذاكرة

قطبي العربي*

بمناسبة ذكرى إعلان النتيجة الرسمية بفوز الرئيس مرسي في الانتخابات الرئاسية، أطرح سؤالا وأجب عليه في هذه المقالة..هل سيسقط مرسي من الذاكرة؟!
خلّد الله في قرآنه الكريم، الكثير من الرسل، بأسمائهم ومعجزاتهم، وأفعالهم، وأخفى -لعلّة يعلمها- رسلا آخرين”ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك..”، وخلّدت السيرة النبوية أسماء العديد من الصحابة والتابعين وتجاهلت البعض، وخلّد التاريخ البشري أسماء العديد من الزعماء والقادة وتجاهل آخرين، وفي التاريخ المصري أيضا تحتفظ الذاكرة الشعبية بأسماء قادة وأبطال شعبيين وشخصيات كان لها بصماتها، في حين تقل معرفتها عن آخرين رغم عطائهم الكبير، وأصدق مثال لذلك هو الإمام الليث ابن سعد ،الذي قال عنه الإمام الشافعي: “الليث أَفقه من مالك إِلاَ أَنَ أَصحابه لم يقوموا بِه”، وفي التاريخ القريب، تعرّض أول رئيس للجمهورية، بعد انتهاء العهد الملكي اللواء محمد نجيب للتجهيل المتعمّد من قبل زملائه وتلاميذه ،الذين استعانوا به في ساعة العسر، ثم انقلبوا عليه في ساعة اليسر، وفرضوا عليه تعتيما لسنوات، كان خلالها مقطوعا عن العالم، ونسيه المصريون ،حتى إن مندوب التعداد السكاني،لم يكن يعرفه وسأله عن وظيفته، وظن أنه يهزأ به حين أبلغه أنه كان رئيسا للجمهورية!!.
في الخبرة الفرعوينة المصرية ،كلّما جاء فرعون،سعى لمحو آثار من قبله،أو التقليل منها،وهو سلوك ظلّ ممتدا حتى وقتنا الراهن، وعقب انقلاب الثالث من يوليو 2013،سعى النظام الجديد لطمس كل آثار نظام الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب لمصر، وبعد عامين على استشهاده ،لا تزال الجهود متواصلة لشطب كل ما يتعلّق به،وبسنة حكمه، وكأن تلك السنة، لم تكن ضمن السنوات الشمسية أو القمرية،أو كأنها كانت زائدة دودية تم استئصالها… فهل تنجح هذه الجهود في طمس سيرة وذكر هذا الرئيس،الذي حكم مصر عاما واحدا؟!
الإجابة عندي بالنفي، فقد تجمّعت للرئيس مرسي،أكثر من حيثية لبقائه حاضرا في الذاكرة الشعبية المصرية والعربية والإسلامية.
فقد كان أول رئيس مدني منتخب لجمهورية مصر عبر تاريخها كله، وكان هو ثمرة ثورة 25 يناير التي شارك فيها ملايين المصريين ( سبقه ولحقه رؤساء عسكريون منذ بداية العهد الجمهوري عام 1952).
وهو أول رئيس ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، التي ظلّت قوة المعارضة الرئيسة لكل الأنظمة الاستبدادية في مصر منذ تأسيسها عام 1928.
وهو الرئيس الذي تولّى السلطة على غير تخطيط مسبق، فقد كان مرشّحا احتياطيا، ثم اكتسح كل المرشحين الذين نافسوه في جولتي الانتخابات الرئاسية.
وهو الرئيس الذي اجتمعت عليه قوى الشرّ من مصر والمنطقة والعالم لتنهي حكمه بعد عام واحد فقط، ولم تمهله حتى نهاية دورته لشعورها بخطورته على مصالحها.
وهو الرئيس ،الذي قضى عاما واحدا في الحكم ،وقضى مقابله 6 أعوام في السجن، وكان ينتظره عدة أحكام بالإعدام، وأخرى بالسجن المؤبّد في اتهامات ملفّقة، وبعضها يقع ضمن اختصاصات عمله كرئيس للدولة، ومن ذلك التواصل مع الدول الأجنبية الذي تم تحويله إلى عمالة وتخابر.
وهو الرئيس ،الذي مات واقفا خلال محاكمته في إحدى القضايا السياسية الهزلية (التخابر مع حماس) أمام أعين الجميع، ورفض رئيس المحكمة السماح بإسعافه، حتى فارق الحياة,، وهو مالم يحدث مع رئيس قبله.
وهو الرئيس الحافظ لكتاب الله، والمستلهم للثقافة الإسلامية، إلى جانب دراسته الهندسية العليا في الولايات المتحدة الأمريكية.
هذه الوقائع، كفيلة بالحفاظ على ذكرى الرئيس مرسي حيّة عبر الأجيال، ولا ندري ما يخبّئه الغيب،فقد تظهر في أجيال قادمة قصص وأساطير عن الرئيس مرسي، مستقاة من صموده الأسطوري في مواجهة تلك المؤامرات التي تعرّض لها، على شاكلة أبطال الملاحم الشعبية المصرية والعالمية.
لم تتوقّف أذرع النظام العسكري يوما عن تشويه صورة الرئيس مرسي حيا وميّتا، ولا يزال ذكر اسمه يسبّب لها اضطرابا، لأنه يذكّرها والنظام الذي تمثّله بجرائمهم بحق الوطن، وبحق الشعب وثورته العظيمة في 25 يناير، وبما حقّقه من مكتسبات في مجال الحريات والكرامة وحقوق الإنسان في فترة وجيزة، وبالتأكيد سيواصل هذا النظام عبر كل أذرعه حربه لطمس اسم الرئيس مرسي تماما، على طريقة الفراعنة الذين كانوا يطمسون سيرة من سبقهم، لكن المؤكّد أن هذه الجهود ستذهب هباء للعديد من الأسباب.
فمرسي لم يعد رمزا مصريا فقط ،بل مزا عربيّا وإسلاميًا، وقد كان الرمز الأكبر للربيع العربي الذي أزال الغشاوة عن عيون الشعوب العربية لتعرف حقوقها، التي حرمت منها طويلا.
ومرسي ،ابن تيار عريض هو التيار الإسلامي ،وهذا التيار له انتشار واسع عربيا وعالميا، وكل أبناء هذا التيار يعدّون مرسي رمزا لهم.
ومرسي، ابن تنظيم حركي واسع الانتشار، وهو الإخوان المسلمين، وهذا التنظيم الذي يعدّ وصول مرسي إلى الرئاسة ذروة نجاحه السياسي، لن يسمح بطي صفحة مرسي، وطمس ذكراه، بل سيفعل كل ما بوسعه لتخليد ذكراه كنموذج حيّ على قدرة هذا التنظيم على الفعل السياسي، والتباهي بهذا الإنجاز الذي لم يستطع غيرهم من التنظيمات السياسية تحقيقه.
وأخيرا ،فإن مرسي تحوّل من شخص إلى مؤسسة تحمل اسمه”مؤسسة مرسي للديمقراطية” ،وهذه المؤسسة الوليدة ،ستكون حريصة دوما على تخليد ذكراه، والذبّ عنه في مواجهة خصومه وكارهيه، ونشر أفكاره، ودعم قيم الحق والحرية، والكرامة، والديمقراطية التي كان يؤمن بها، وهي مؤسسة لا تزال تخطو خطواتها الأولى وتستحق الدعم والمساندة.
لكل هذه الأسباب،فإن كل المحاولات الممنهجة لتغييب مرسي عن الذاكرة الشعبية، أو الرهان على الزمن لطمس ذكراه ستبوء بالفشل.
ملاحظة:في الذكرى الثانية لاستشهاد الرئيس مرسي 17 يونيو ، نظّمت مؤسسة مرسي للديمقراطية، مؤتمرا افتراضيا بعنوان “مرسي شهيد فلسطين” ،كرّمت فيه عددا من الرموز الفلسطينية في القدس وحي الشيخ جراح، وتحدث في المؤتمر عدد من الرموز السياسية والدينية الفلسطينية والدولية، وحسنا فعلت المؤسسة بهذا المؤتمر وهذا التكريم، وتخصيص احتفال العام لفلسطين، فقد كان مرسي بحق شهيدا من شهداء فلسطين، وقد وقع شهيدا خلال جلسة محاكمته في قضية تخصّ دعمه لفلسطين ،وهي ما أطلق عليها قضية التخابر مع حماس.. رحم الله الرئيس مرسي.

*كاتب مصري

(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق