بقلم: لمى خاطر*
من الأمور المألوفة فلسطينياً ،ألاّ يكون هناك اكتراث شعبي وإعلامي بنتائج استطلاعات الرأي التي تجريها مراكز متخصصة داخل فلسطين،حول توجّهات الجمهور الفلسطيني ،وقناعاته الفكرية، ومردّ هذا الزهد في الاهتمام بتلك النتائج،أنه تبيّن في مرّات عديدة ،أن إفرازات صندوق الاقتراع ،كانت تأتي بنتائج مغايرة لتلك التي تقرّرها استطلاعات الرأي،وحصل ذلك عدة مرات في الانتخابات الجامعية والبلدية والتشريعية. وعلى سبيل المثال، فإن نسبة ما حصلت عليه حركة حـماس من الأصوات في الانتخابات التشريعية عام 2006 ،يكاد يبلغ ضعف ما كانت تعطيها إياه استطلاعات المراكز من نسبة، وكذا حصل في مرات عديدة في انتخابات جامعية وبلدية.
هذا البون الشاسع ،الذي كان يظهر في الفرق بين نتيجة الاستطلاع والواقع، ليس ناجماً بالضرورة عن غياب النزاهة ،أو عدم اعتماد المعايير الموضوعية لدى بعض هذه المراكز، خصوصاً تلك المحايدة وغير المنحازة لطرف ما، إنما هو إفراز طبيعي لما يترتّب على الوضع الأمني في فلسطين، وخصوصاً في القدس والضفة الغربية،من إحجام جزء من الجمهور الفلسطيني عن التصريح بقناعاته الحقيقية، فيما هو يقولها فقط أمام صندوق الانتخاب، بسبب ضمانه سريّة التصويت.
قبل أيام، أظهر استطلاع جديد أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، نتائج غير مسبوقة في حدّة تمايزها حول قناعات الشارع الفلسطيني، وملخّص النتائج أن حركة حـماس تحظى بشعبية كاسحة، وأن غالبية الجمهور تؤمن، أن الحركة خرجت منتصرة من معركة سيف القدس، وأنه يراها الأجدر بقيادة وتمثيل الشعب الفلسطيني، إضافة إلى تجديد الشارع الفلسطيني انحيازه لخيار المقاومة، ورفضه خيار التسوية.
لم تكن ثمة حاجة للاستطلاع لتأكيد هذه النتائج، لأن ما قالته رأيناه بشكل جليّ في أوساط الفلسطينيين، بعد المعركة الأخيرة، وبعد كل جولة مواجهة سابقة مع الاحتلال، فهذا التراكم في الإنجازات المقاومة صنع حالة وعي صلبة لدى قطاع عريض من الشارع الفلسطيني، وقناعة بأن خيار المقاومة هو من يمثّله ويعبّر عنه، وهو الجدير بثقته ومبايعته.
فكلمة السرّ هنا،هي الثقة، الثقة بحـماس كونها رائدة المقاومة في فلسطين على صعيد الإنجاز، وراعيتها الأهم،بما توفّره لها في غزة من بيئة صحية، وإمكانات عديدة ،تتيح لمختلف الأطياف الفلسطينية أن تتقوّى وتتسلّح ،وتراكم خبراتها وعتادها.
وهذه الثقة لم تأتِ من فراغ، بل مما رآه عموم الناس من نجاحات في ردع الاحتلال، وتثبيت معادلات جديدة في التعامل معه، وتحقيق إنجازات ملموسة في هذا السياق كمنع اقتحام الأقصى، وتجميد مخطّط تهجير حي الشيخ جرّاح، إضافة إلى إفشال أهداف الاحتلال في عدوانه على غزة، في كل جولة على جبهتها.
النتيجة الطبيعية لكلّ ذلك ،أن تتحوّل أنظار ومشاعر الجمهور إلى الجهة التي تحظى بثقته، بفعلها المتواصل، وصدقها في عهودها، وتمكنّها من الدفاع عن مجمل الحقوق الفلسطينية، وعلى رأسها المقدّسات، غير مكتفية بردّ العدوان عن قطاع غزة فقط، فالحصار الذي ضربه الاحتلال وأعوانه حول غزة منذ 15 عاماً عقاباً لها على خيارها واحتضانها المـقاومة، نجحت الأخيرة في كسره بفعلها وقتالها ومدى صواريخها،حتى صارت المـقاومة فيها معبّرة عن تطلعات الفلسطيني أينما وجد، ومنافحة عن جميع حقوقه، ولذلك كانت المـقاومة في غزة هي الجهة التي تهتف لها الحناجر المستضعفة طلباً للنصرة، فالناس لا تستنجد بالضعيف، بل بالقوي والصادق والوفي بالوعود، وهذه القوة الفاعلة يكاد ينحصر وجودها –فلسطينياً- في غزة فقط.
وحتى على الصعيد السياسي، فما يراه عموم الناس ويعرفونه أن حـماس قدّمت كل ما عليها ولديها من تسهيلات، وحتى تنازلات، لأجل ترتيب البيت الفلسطيني وتثبيت التوافق وطيّ صفحة الخلاف، وأن تأجيل الانتخابات أو تعطيلها جاء من السلطة وحركة فتح، بينما حـماس ظلّت ملتزمة بكل ما تعهّدت به، سياسياً وعسكريا.
أن تكون نتائج الاستطلاعات اليوم واضحة ومتمايزة بهذا القدر، لا يعني فقط أن نهج المـقاومة مستمر في صعوده معزّزا بثقة ومباركة الجمهور الفلسطيني، بل يؤكّد أيضاً أن هذا الجمهور بات يتحلّل من خوفه من المجاهرة بقناعاته، وهذا كلّه من بركات الفعل المقاوم ومن آثار ما غرسته سواعد المقاتلين في الوعي والعزائم والإرادات.
بقي أن يقرأ المعنيون هذه التحوّلات المتواصلة جيدا، وأن تكفّ قيادة السلطة الفلسطينية عن المكابرة والتسلّط،ومحاولة تثبيت مشروعها السياسي الذي تآكلت شرعيته وشعبيته إلى حدّ مريع، ذلك أنها ستظلّ تحصد خسارات متتالية، ما دامت تراهن على مسار غير المـ..ـقاومة، وعلى جهات غير شعبها، تمنيها بالدعم والوعود، فيما الحصيلة مزيد من التراجع والانكشاف.
*إعلامية وكاتبة فلسطينية
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)