مقالات

رباط عسقلان بُشرى ووعد

د. نصر فجحان*
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أوَّلُ هذا الأمر نُبُوةٌ ورحمة، ثم يكون خلافة ًورحمة، ثم يكون مُلكًا ورحمة، ثم يتكادمون عليه تكادُمَ الحُمُر، فعليكم بالجهاد، وإنَّ أفضل جهادكم الرباط، وإنَّ افضل رباطكم عسقلان)..أخرجه الطبراني في الكبير(11/88) (11138)، وقال الهيثمي في “مجمع الزوائد”: رجاله ثقات، وصحّحه الألباني في الصحيحة (3270).
عند تأمُّل الحديث السابق ،فإنَّنا نستطيع أنْ نفهم السياق الذي جاء فيه الإخبار عن المدينة الفلسطينية (عسقلان)، حيث إنَّها ستكون أفضل رباط المسلمين، وفي وقت هو أشدّ المراحل ظلمًا ومحنة على أهل فلسطين.
والحديث يخبرنا أنَّ الرباط في (عسقلان)،يكون في مرحلة متأخّرة من مراحل انتقال، وتحوُّل الحُكم لدى المسلمين، بحيث تختفي فيه الرحمة، ويعُمُّ الظلم، وتخضع فيه الأرض المباركة للإفساد والاحتلال والضياع، ممّا يستدعي الجهاد والرباط.
ويمكن تحديد هذه المرحلة ،من خلال استعراض المراحل المختلفة ،التي يتناولها الحديث الشريف، وهي على النحو التالي:
المرحلة الأولى: مرحلة النبوة والرحمة:
وهي المرحلة التي كان فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو الحاكم الرحيم، وقد انتهت هذه المرحلة بوفاته عليه الصلاة والسلام.
المرحلة الثانية: مرحلة الخلافة الراشدة:
وهي مرحلة الخلفاء الراشدين الذين حكموا بهدْي النبي صلى الله عليه وسلم، مع ما كان فيها من رحمة، وقد انتهت.
المرحلة الثالثة: الحكم الملكي (الوراثي):
وهي ما تعرف بمرحلة (المُلك العاض أو العضوض)، كما في الحديث عن النعمان بن بشير أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(تكون النبوة فيكم ما شاء الله أنْ تكون، ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون خلافةٌ على منهاج النبوة ما شاء الله أنْ تكون، ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون مُلكًا عاضًا، فتكون ما شاء أنْ تكون، ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون مُلكًا جبرية، فيكون ما شاء الله أنْ يكون، ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت …) الألباني تخريج مشكاة المصابيح 5306 إسناده حسن.
وهي مرحلة جاءت بعد مرحلة الخلافة الراشدة، وبدأت من أول عهد الأمويين ،واستمرت حتى نهاية الحكم العثماني، وكان لا يزال الحكم في هذه المرحلة فيه رحمة ،كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وقد انتهت هذه المرحلة في أوائل القرن العشرين.
المرحلة الرابعة: مرحلة تكادُم الحُمُر:
وهي مرحلة المُلك الجبْري، والصراع على الحكم، والتكادُم عليه كما تتكادم الحُمُر، من خلال الانقلابات العسكرية الكثيرة، والصراعات المختلفة، وقد بدأت هذه المرحلة بعد انتهاء حكم العثمانيين في بداية القرن العشرين على أغلب الظن، ولا تزال مستمرة.
وفي هذه المرحلة بالذات نجد أنَّ النبي صل الله عليه وسلم يذكر (عسقلان)، ويوصي بالجهاد، ويخبرنا بأنَّ أفضل جهادنا الرباط، وأنَّ أفضل رباطنا عسقلان!!
وهو أمر يُلفت النظر، وكأنَّه إخبارٌ بالغيب، فقد اُحتُلت فلسطين من قبل الصهاينة، وأنشأوا دولتهم على أرضها عام 1948م، وشرّدوا مئات الآلاف من أهلها، مما استدعى الجهاد والرباط لتحريرها، وهو ما نجده في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، حيث يوصينا بالجهاد والرباط في منطقة (عسقلان) بفلسطين: (ثم يتكادمون عليه تكادم الحمر، فعليكم بالجهاد، وإنَّ أفضل جهادكم الرباط، وإنَّ أفضل رباطكم عسقلان) .
لماذا عسقلان؟
ومعلوم لدى الجميع ،أنَّ عسقلان مدينة فلسطينية، احتلها الصهاينة في عام 1948م، وهي تقع إلى الشمال من غزة المحاصرة، ومعلومٌ أنَّ المجاهدين لا يمكنهم الرباط فيها الآن، لأنها جزءٌ من أرض فلسطين المحتلة.لكنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يذكر عسقلان تحديدًا، فيقول: (وإنَّ أفضل رباطكم عسقلان)!!ويمكننا أنْ نفهم كلام النبي صلى الله عليه سلم على النحو التالي:
الوجه الأول:
أنَّ المُراد بعسقلان: منطقة غزة القريبة من عسقلان ومحيطها، حيث إنَّ غزة وعسقلان تقعان على البحر المتوسط، وهما منطقتان سهليَّتان وساحليَّتان ومتجاورتان في جنوب فلسطين، ممّا يجعلهما كأنَّهما منطقة واحدة، ولا أستبعد أنْ يكون المُراد بقوله عليه السلام: (وإنَّ أفضل رباطكم عسقلان) هو الرباط في غزة القريبة من عسقلان، خاصة أنَّ غزة فعلًا منطقة جهاد ورباط ومقاومة وتحدٍّ وصبر وثبات، يرابط فيها المجاهدون، ويُعِدُّون فيها ما استطاعوا من قوة للتحرير والعودة، ويَشُنُّ الاحتلال الإسرائيلي عليها الحرب بعد الحرب، فتقاوم ولا تنكسر، ويحاصرها القريب والبعيد، ويصبر أهلها على كل هذا، ولا يتخلَّوْن عن جهادهم ورباطهم، ولا يفرّطون بسلاحهم، رغم ما يجدون من لأواء وأذى، فليس بعيدًا أنْ تكون غزة هي المقصودة برباط عسقلان، وقد جاء في كتاب مناقب الشافعي أنه رضي الله عنه كان أحيانَا يقول: ولدت في غزة، وأحيانَا يقول: ولدت في عسقلان.
وفي هذا بشرى من النبي عليه الصلاة والسلام لأهلها ومجاهديها أنَّ رباطهم هو أفضل الرباط.
الوجه الثاني:
أنَّ المُراد بعسقلان: هي منطقة (عسقلان) ذاتها، والتي تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ سنة 1948م، وفي هذا بشرى للمجاهدين والمرابطين، ففي الحديث إشارة إلى أنَّهم سيرابطون في عسقلان قريبًا، مما يجعلني أتوقع أنْ تندلع حربٌ قريبًا، يكون من نتائجها أنْ تنتصر غزة، ويسيطر مجاهدوها على منطقة غلاف غزة، ومنطقة عسقلان، بعد مواجهات عسكرية ساخنة مع الاحتلال الإسرائيلي تضطره إلى الانسحاب وترك المنطقة، فتتحقق بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنْ يرابط المجاهدون في عسقلان، تمهيدًا واستعدادًا لفتح بيت المقدس، وتحرير كلّ فلسطين، والذي سيشارك فيه المجاهدون من بيت المقدس وأكناف بيت المقدس بإذن الله تعالى.

* باحث فلسطيني

(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق