أوّاب إبراهيم المصري*
يتنافس السياسيون والإعلاميون والفنانون والناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، على مدّ أواصر الودّ والتضامن مع الأرمن في لبنان، وإدانة واستنكار ما قامت به الدولة العثمانية عام 1915م .التطبيل والتزلّف والتبييض ،الذي يمارسه هؤلاء تجاه الأرمن مفهومة، وإن كانت تدلّ على سطحية وسفاهة، لكن ما هو غير مفهوم ولا ومنطقي ولا مقبول ،أن يكون ضمن من يتزلّف للأرمن على حساب مصلحة لبنان واللبنانيين،هو رأس الدولة.
فرئيس الجمهورية،ميشال عون، اعتبر أن “ما أصاب الشعب الأرمني بالسيف،أصاب الشعب اللبناني بالمجاعة ،والفاصل الزمني كان سنة واحدة”، مطالبا بتحقيق العدالة لهذه القضية.
لا أحد كان ينتظر موقفاً من رئيس الجمهورية، تجاه الإبادة الأرمنية، ولن يفتقد أحد موقف الرئيس لو أنه لم يصدر، لكن الرئيس ،وفي سبيل الحفاظ على الكتلة الأرمنية الناخبة التي تصوّت مع حزب صهره في الانتخابات النيابية، تخلّى عن سدة الرئاسة، وعاد رئيساً للتيار الوطني الحر ليتّخذ موقفاً منحازاً متبنّيا ادّعاءات الأرمن ،ومنتقداً الدولة العثمانية، وفي طيّاتها تركيا الحالية.
أن يصدر الموقف عن رئيس حاول إقناعنا في بداية عهده أنه “بيّ الكلّ”، فهذا أمر مستنكر ومرفوض، ولا يمثّل لبنان ولا اللبنانيين.
ثم ،ما هي مصلحة لبنان في استعداء دولة نافذة إقليمياً، مؤثّرة في ملف الأزمة السورية الذي ينعكس على لبنان، وتستضيف على أرضها عشرات آلاف اللبنانيين الذين ضاق بهم وطنهم، ولم يجدوا مصدر رزق لهم، فوجدوا في إسطنبول ما يحفظ لهم كرامتهم ولقمة عيشهم، ثم لمصلحة من هذا الاستعداء، لمصلحة أرمينيا التي تتخبّط سياستها بين رئيس مرفوض من الشارع ،وجيش مقهور بعد الهزيمة النكراء ،التي تلقّاها في ناغورني قرباخ من أذربيجان؟.
بعد إقفال السعودية الباب على الخضار اللبنانية، هل يريد رئيس الجمهورية إقفال باب تركيا بوجه اللبنانيين؟!.
طالما أن فخامته يتضامن مع مآسي الشعوب المقهورة، فلماذا لا نسمع له موقفاً في ذكرى المجازر الفرنسية في الجزائر، ولماذا لا يتضامن مع الشعب الجزائري في مواجهة الجرائم التي ارتكبتها فرنسا واعترفت بارتكابها.. أم أن التضامن استنسابي، وبناء على المصلحة الخاصة؟.
نحمد الله أن المسؤولين في تركيا “مكبّرين عقلهم” ،ولا يلقون بالاً لمواقف رئيس الجمهورية، ويدركون أنها لا تعبّر عن رأي اللبنانيين، ولا يتّخذون إجراءات انتقامية تعود بالضرر على لبنان. لكن تبقى غصّة في قلوب اللبنانيين ،أن يكون رئيسهم بهذا المستوى من القصور في التفكير، والنظر للأمور من زاوية مصلحته، ومصلحة حزبه الضيّقة.
* كاتب لبناني
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)