منتصر الزيات*
في غضون عام 2003 تقريبا، وصلتني دعوة كريمة، لحضور فعّاليات مؤتمر دولي في العاصمة الأردنية عمان ،ينظّمه منتدى (الوسطية للفكر والثقافة )بالأردن، يترأسّه المهندس مروان عواد نويران الفاعوري ، يتناول المشروع النهضوي للوسطية , أعجبتني الفكرة وتنوّع الحضور فيه من مختلف أنحاء العالم ، علماء ودعاة وكتاب ومفكرين،ووافقت على المشاركة،لكن كانت تبدو لي عقبة في طريق المشاركة ، فعندي تجربة ليست وديّة بالأردن،إذ كنت قد سافرت في التسعينات الى الأردن، صحبة الراحل الكبير الدكتور عبد الحليم مندور للمشاركة في الدفاع عن نقيب المهندسين الأردني آنذاك المهندس ليث شبيلات، المتهم بالاساءة إلى الذات الملكية للملك الراحل حسين بن طلال،وبمطار عمّان، سمح بدخول الدكتور مندور ،بينما منعت انا من الدخول، وتمّ احتجازي في غرفة صغيرة جدا بمطار عمان، وابلاغي بقرار سيادي بمنعي من دخول الأردن،وإعادتي إلى القاهرة فورا،في أول طائرة مغادرة،وخلال سبع ساعات قضيتها في مطار عمان، جرت محاولات مكثّفة من نقيب المحامين الأردني مع السلطات الأردنية للسماح بدخولي فشلت كلّها، وتمّ بالفعل إعادتي إلى القاهرة …أبلغت المهندس مروان الفاعوري بتلك الواقعة حتى لا يتكرّر معي الموقف مرة أخرى . أصرّ الأخ أبو معاذ على دعوتي ،وأبلغني أنه سيهتم بالأمر ،ويذلّل المشكلة .
وفي اليوم المقرر للسفر، غادرت القاهرة على متن طائرة الخطوط الأردنية، ووصلنا إلى عمّان ، وتم استقبالنا في صالة كبار الزوار، فقلت :”البشائر طيبة”، غير أن فترة بقائنا طالت ،فتمتمت للمهندس مروان “إيه الحكاية” فقال :– وأذكر أنه كان معنا المهندس أبو العلا ماضي – “فيه مشكلة مع الأخ منتصر ،وجار تذليلها ” ، وبعد حوالي ساعة من الانتظار، جاءت الموافقة بدخولي ،وشاركت في المؤتمر.
على هامش المؤتمر، دعانا المهندس مروان الفاعوري – وبعض الشخصيات – إلى اجتماع وتحدّث عن فكرته ،التي حازت إعجاب الحضور جميعا بضرورة تأسيس منتدى عالمي للوسطية ،يواجه أفكار الغلو والتطرف والتشدد الإسلامي والعلماني على نحو سواء ، يدافع عن هوية الأمة ويدعو إلى الاعتدال، وطرح التعاليم الإسلامية ،والتذكير بها ،والتأكيد عليها في كل المجتمعات، وتمّت الموافقة على تكوين هيئة تتولّى صياغة الفكرة ،ووضعها في قالب نظامي فكري وقانوني،وتشرّفت بأن كنت ممن أختير لتلك المهمة ، ومن هنا بدأت وتعمّقت علاقتي بالمهندس مروان الفاعوري ، وتم اختياري عضوا بالمكتب التنفيذي ،لأول تشكيل للمنتدى العالمي للوسطية وناطقا رسميا باسمه ، ودولة المقر هي الأردن ،ليكون المنتدى هيئة إسلامية دولية جامعة ترعاها المملكة الأردنية .
أعجبني في المهندس مروان الفاعوري حبه لمصر، ودراسته بها ،وحصوله على بكالوريوس الهندسة من جامعة المنصورة عام ١٩٨٠،ولذلك كان اهتمامه كبير بضرورة وجود مقر للمنتدى بمصر، لتكون مصر هي الحاضنة لهذا العمل ،باعتبارها قلب العروبة النابض ،وبالفعل شكّلنا منتدى للوسطية بمصر وفقا للقوانين المصرية، توليّت رئاسته ،وعقدنا بالتعاون مع المهندس مروان أنجح مؤتمرات وندوات تخصصية في القاهرة، لنشر ثقافة الاعتدال والوسطية ومكافحة التطرف والغلو والتشدد .
أعجبني أيضا في شخصيته ،سماحته واعتداله، ورغبته في العمل الدعوي الإسلامي والاجتماعي وتوسيع رقعة تيار الوسطية في بلادنا العربية بل واتجه أيضا إلى الجاليات الإسلامية بأوروبا والأمريكيتن ،،واتجه أيضا إلى أسيا وأفريقيا ، ونظّم منتديات للوسطية، ومقار بعواصم متعدّدة شرقا وغربا في باكستان وماليزيا، وتواصل مع الجاليات الإسلامية وكان حريصا على تمثيل علماء المسلمين في أوروبا بكل فعّاليات المنتدى العالمي للوسطية
كان الفاعوي عضوا بجماعة الاخوان بالأردن ، ولما قرر الانفصال عن الجماعة ،كان ذلك وفق منظومة أخلاقه الكريمه وابتعاده عن التراشق أو التصريحات التي تحض على الكراهية ، وأسس هناك أيضا “حزب الوسط” تأثّرا بفكرة المهندس أبو العلا ماضي في مصر، ودخل حزب الوسط الانتخابات البرلمانية ،وفاز بعدد من المقاعد ،وصارت له هيئة برلمانية، تتحدّث باسمه ،وتعبّر عنه، وهكذا استمر الفاعوري في نشاطه الدعوي والسياسي عبر ذراع السياسي “حزب الوسط” وذراع فكري و دعوي ” المنتدى العالمي للوسطية” ،الذي يشغل فيه الأمانة العامة منذ تأسيسه حتى الآن فهو رمانة الإتزان وشعلة النشاط به ،وكوّن مع الامام الراحل الصادق المهدي تناغما متفاهما رائعا لتمثيل الوسطية في كافة المحافل .
تردّدت على الأردن بشكل مكثّف، بصفتي عضوا مؤسسا بالمنتدى العالمي للوسطية، وشاركت في ست مؤتمرات سنوية للوسطية من تسع مؤتمرات عقدها المنتدى ، ودعيت إلى مؤتمرات وفعاليات أردنية رسمية، أهمها مجلس الملك عبد الله الذي يعقد في شهر رمضان من كل عام ، ومؤتمرات تعقدها وزارتا الأوقاف والشباب ، كل ذلك بفضل الله، ثم بفضل المهندس مروان الفاعوري ،الذي أزال العقبة التي كانت تحول بيني وبين دخول الأردن ،وعبّر عن فكري وقناعاتي لدى الأجهزة الأردنية ،فأزال المخزون التراكمي عن شخصي لدى السلطات الأردنية
سافرت مع الفاعوري شرقا وغربا في مختلف الأمصار والبلدان ،نعبّر عن ثقافة الوسطية والاعتدال والتمسّك بالتعاليم الإسلامية ،دونما إفراط أو تفريط ، وسعدت بصداقته والاقتراب منه إنسانيا وفكريا
ولما أعلن الدكتور محمد مرسي رحمه الله الإعلان الدستوري ،الذي تسبّب في أزمة سياسية ، قرّر الفاعوري القيام بوساطة من خلال المنتدى العالمي للوسطية، برئاسة الامام السوداني الراحل الصادق المهدي،وعضوية المهندس مروان الفاعوري ،ومن مصر منتصر الزيات ومحمد هاشم ومبروك عبد المقصود ، وبالفعل عقدنا مؤتمرا صحفيا دوليا بمكتبي ،وأجرينا جولات مكّوكيّة، واتصالات بجميع الأطراف لمحاولة نزع الفتيل .
هكذا ،كانت اهتمامات مروان الفاعوري ،إسلامية عروبية جامعة ،تحض على الوحدة والوئام والاستقرار في بلادنا العربية والاسلامية ،وقد تأثّرتت به كثيرا ،وسعدت بالعمل معه في هذا الملف الشائك، والهام.
.”أبا معاذ” دمت بخير وصحة وسعادة
*محامي مصري
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)