ياسر أبومعيليق*
يدور خلف الكواليس،جدل كبير في المجتمع الطبي والعلمي الألماني، حول لقاح “أسترازينيكا” ،ومدى كون أعراضه الجانبية ،مبرّرا لتوزيعه على الشعب. هذا الجدل وصل إلى حد اتهام الحكومة الألمانية بقبولها المخاطرة بحياة أفراد من الشعب ،من أجل تخفيف قيود الحركة والاقتصاد ،المفروضة بسبب جائحة كورونا.
ما هو أساس الجدل؟
لقاح “أسترازينيكا” ،ينتمي إلى نوع من اللقاحات يسمّى (Viral Vector Vaccine)، أو “لقاح الفيروس الناقل”، ويعمل عن طريق حقن الجسم بفيروس غير ضار مختلف عن الفيروس المسبّب للمرض، ولكنه معدّل جينياً لحمل بعض المادة الوراثية من الفيروس المسبّب للمرض. وبمجرّد دخول هذا الفيروس “الناقل” للخلية، فإنه يرسل أوامر تصنيع أجزاء من الفيروس الممرض (أجزاء فقط وليس الفيروس ككل).
في حالة لقاح فيروس كورونا، فإن الفيروس الناقل،يقوم بتصنيع القسيم الفولفي (أو الشوكة البروتينية) لفيروس كورونا المستجد عند دخوله إلى الخلية البشرية.هذه الشوكة تلتصق على سطح الخلية، وتدفع جهاز المناعة إلى تصنيع أجسام مضادة للتعامل معها، وبالتالي تطوير مناعة ضد فيروس كورونا.
الجدل حول هذا اللقاح وهذه الطريقة تعاظم بعد نشر دراسة علمية مؤخراً. هذه الدراسة وجدت أن حقن اللقاح في كبد فئران التجارب ،أدّى إلى ظهور سرطانات في تلك الفئران، بسبب التحوّر الجيني للخلايا. هذه الدراسة دفعت الكثيرين إلى رفض الحصول على أي لقاح يعمل بهذه الطريقة، بل ووصل الأمر إلى اتّهام الحكومة بقبول أن يصاب البعض بالسرطان ،مقابل العودة إلى الحياة الطبيعية!
طبعاً، هذه الدراسة – على صحة نتائجها – تفتقر إلى السياق العلمي:
1- الفئران في الدراسة ،تلقّت اللقاح في الكبد مباشرة، وخلايا الكبد معروفة بكونها أكثر تقبّلا للتحوّر الجيني (وبالتالي تطوير خلايا سرطانية)،لكن لقاح الكورونا يُحقن في العضلات وليس الكبد، والخلايا العضلية أكثر مقاومة للتحوّر الجيني من خلايا الكبد، وبالتالي نسبة تطويرها لخلايا سرطانية أقل بكثير.
2- أحد الأصدقاء من دارسي علم الأحياء الدقيقة (الميكروبيولوجي) ،ويختص بدراسة التحوّر الجيني للفيروساتالمعدّلة وراثياً، قال لي بالحرف: التحوّل الجيني الذي يحدثه الفيروس المعدّل في لقاح “استرازينيكا” وغيرها من اللقاحات التي تستخدم نفس الطريقة، يعادل بالضبط التغيّر الجيني الذي يحصل في خلايا الجسم عن التعرّض لأشعة الشمس لمدة ساعتين!!
3- ظهور أعراض جانبية قوية لدى بعض الحاصلين على لقاح “أسترازينيكا”،سببه تعامل جهاز المناعة البشري مع الشوكة البروتينية.عندما يحاول جهاز المناعة مواجهة أي جسم غريب، فإن أعراضاً مثل الحمّى والصداع والغثيان واردة، مثلها مثل أعراض الإنفلونزا، مثلاً. لكن أحياناً يكون الجهاز المناعي للحاصل على اللقاح أكثر حساسية ،تجاه الشوكة البروتينية للفيروس، وبالتالي تكون شدّة الأعراض عنده أكثر من غيره.
أخيراً، ما يزال هناك عدد من العلماء والأطباء الألمان يرفضون الذهاب للموعد المحدّد لهم للحصول على لقاح كورونا من “أسترازينيكا”، ويفضّلون الانتظار للحصول على لقاح “بيونتك فايزر”، الذي يعتمد على تقنيّة مرسال الحامض الريبوزي النووي (mRNA)،لكن فئة أخرى ترى أن ذلك خوف مفرط مبنيّ على دراسة مقتطعة من سياقها العلمي.
بالنسبة لي شخصياً، سأكون سعيداً بتلقّي أي لقاح حصل على موافقة ألمانية وأوروبية.المهم أن تتحقّق “مناعة القطيع”،وتصبح هذه الفترة العصيبة في تاريخ البشرية، مجرّد فقرة في كتب التاريخ.
كونوا بخير وصحة دائماً، وحكّموا عقولكم قبل قلوبكم.
*صحفي فلسطيني
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)