التسويق وعقدة النقص العربية!

ياسر أبومعيلق*
لماذا تصرّ دول خليجية على ترويج صورتها والسياحة فيها عبر “مؤثّرات” و”ومؤثّرين” أجانب؟ لماذا هذا الافتتان بالأجنبي الأشقر ذي العيون الملوّنة، حتى رغم غلاء سعره وضعف أثره؟
في الثمانينيات والتسعينيات، كنت أتفهّم الاستعانة بممثّلين وشخصيات أمريكية وأوروبية للدعاية، لأنهم كانوا المهيمنين على عقول الناس من خلال التلفزيون والسينما.
لكن في عصر السوشل ميديا، وفي ظل وجود شخصيات عربية يتابعها ملايين، أكثر من الكثير ممن تتمّ الاستعانة بهم (وفي كثير من الأحيان أحسن شكلاً وأفضل محتوى)،لا أجد أن هذه الاستراتيجية باتت فعّالة، بل تسير على منهج “حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا”،وأحياناً تعود بأثر عكسي، بسبب “وعي” الجمهور الغربي لكون هذا المنشور مدفوع الأجر ومسيّر سياسياً (وهو ما يتعارض مع أبسط قواعد تسويق بروباغاندا الدولة).
حجة أن التسويق هذا، يستهدف السائح الأجنبي مردود عليها أيضاً، فالغرب، مثلاً، لا يستعين بمؤثّرات ومؤثّرين عرب أو خليجيين لجذب السائح العربي/الخليجي،ولا مؤثّرات ومؤثّرين من الصين لجذب السائح الصيني. بل إن الدول الغربية نادراً ما تستعين بشخصيات السوشل ميديا لتسويق صورتها، لأن تلك الشخصيات،ذات طباع هوائية متقلّبة وفضائح عديدة، وقد تحظى بشهرة لمدة سنة أو سنتين، وبعدها تندثر إلى أرشيف الإنترنت وغياهب الفيسبوك.
لذلك، همسة في آذان صنّاع القرار الخليجي (والمصري والمغربي بالمعية):
دولتك ثم دولتك ثم دولتك!
التنوّع الجغرافي والبيئي والثقافي والتاريخي في دولتك ،هو أفضل عامل تسويق لتلك الدولة. في الخليج، هو المزيج بين الأصالة والتقدم، بين الكرم الشعبي ومواكبة العصر، بين “طلعة البر” و”سهرات على الطابق الـ80″،هو كل ما يمكنك أن تقدّمه للبشر من كل أنحاء العالم،وليس عباءة تلبسها “سفتلانا” أو “كاثرين” ،أو بشت وشماغ “جورج” على إنستغرام!
في مصر، لا تحتاجون إلى مؤثّرات ومؤثّرين يا جماعة!! دولتكم سياحية بامتياز، وصورة عائلة صعيدية أصيلة تهتم بمعبد فرعوني، أو امرأة بزي فيكتوري في شرفة الجناح الذي كانت أغاثا كريستي تشغله في فندق “صوفيتل أولد ليجيند كاتاراكت أسوان”، كفيلة بإثارة كل الحواس المستشرقة لدى السائح الأجنبي ودفعه دفعاً للسفر.
في المغرب، تكفيكم صورتان: كوخ خشبي في أعالي جبال أطلس المتخمّة بالثلوج، وبجانبها شخص يمارس التزلّج، وصورة لرحلة تخييم صحراوية، وفي الخلفية بلدة آيت بنحدو، التي كانت موقعاً لتصوير العديد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية العالمية.
كمثال للاقتداء به، أشير إلى الأردن وكيفية ترويجه للسياحة: المزج غير المُكره بين الهوية الشرقية الموغلة في أصل الأديان التوحيدية، وبين الهوية الغربية المعاصرة المنفتحة، وتصوير العائلة المالكة كجزء لا يتجزّأ من البلد وعراقته. حتى عندما يظهر أجانب في الصورة، فإن هناك أردنيين يرافقونهم في قلب المشهد كأنداد لهم، وليس كجزء من الخلفية أو ديكور!
نحن لسنا ديكوراً للأجنبي ليتصوّر أمامه.نحن جزء رئيس من الصورة، ونحن من نحدّد كيف يرانا العالم، وليس وكالة يجلس فيها شباب دون سن الثلاثين، أغلبهم يتحدّث العربية بركاكة، وعاش في الغرب أكثر ما عاش هنا، ولا يعرف عن تاريخ الدول التي يتقاضى أجوراً فلكية ليمثلها أي شيء، ويعمل بنفس عقلية المستعمر، وفكرة “عبء الرجل الأبيض” في مقابل الأسمر البدائي الذي يُصوْر دوماً على أنه غوغائي فوضوي فقير، لا يعرف قيمة وطنه وآثاره.

*صحفي فلسطيني

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)