د. سعيد وليد الحاج*
ليس سراً ،أن طيفاً من أنصار حركة حماس، غير سعيد بمسار الانتخابات الحالي. جولة قصيرة في وسائل التواصل الاجتماعي،ستظهر بوضوح خطاباً نقدياً لمجموعة من شباب ،ونشطاء ،وكتّاب محسوبين عليها ،أو مقرّبين منها ،موجّها للانتخابات في عدة نقاط وتفاصيل: فكرة تقديم الانتخابات على التوافق الوطني، التوقيت، التتالي، عدم الثقة باستكمال المسار، إجراؤها دون تهيئة الأجواء لذلك…الخ.
وهكذا تكون الحركة، قد زادت من عدد التحدّيات، التي تواجهها تحدياً إضافياً وغير سهل،
حيث تدخل حماس- وأخواتها – هذه الانتخابات ،في ظل حصار غزة (من الاحتلال والسلطة)، واستمرار التضييق عليها ،وعلى المقاومة في الضفة (من الاحتلال والسلطة)، وفي ظل ما يتذكّره الجميع من مصير نوابها وكوادرها ونشطائها بعد انتخابات 2006. وتعرف هي، والجميع، أنها تدخل هذه الانتخابات ،دون ضمانات حقيقية (ضمانات بعض الدول التي ذكرت أقرب لشيء رمزي ومعنوي لا يعتد به)،ودون أن تضمن أن مشوار الانتخابات سيستكمل،ودون أن تقدم السلطة – حتى اللحظة على الأقل – على أي إجراء يشير إلى نوايا حسنة، بخصوص السماح بمنافسة انتخابية بالحد الأدنى.
بمعنى ،أنها تدخل في مغامرة كبيرة، قد تفضي فقط لتجريدها من “شرعيتها السياسية” ،التي تحصّلت عليها بعد انتخابات 2006، خصوصاً وأنها سبق وقدّمت تنازلات عديدة ومتتالية، دون أن يكون هناك أي خطوة مقابلة من أبو مازن/فتح/السلطة،فقد تنازلت سابقاً عن رئاسة الحكومة، وعن مسار إصلاح منظمة التحرير أولاً، وعن شرط تهيئة الأجواء السياسية للانتخابات، وعن إلغاء إجراءات عباس بخصوص غزة، وعن التزامن في الانتخابات… الخ.
صحيح ،أن جزءاً من موقف حماس مدفوع باضطرارات وإكراهات معينة، داخلية وخارجية، لكن جزءاً آخر مهماً منها ،مدفوع بالحرص على المصلحة، مصلحة القضية الفلسطينية. حيث ترى أن الوحدة الوطنية – ولو بحدها الأدنى- شرط لمواجهات مخطّطات تصفية القضية الفلسطينية. وإذا لم يكن ممكناً إصلاح منظمة التحرير، وصياغة مشروع سياسي جامع أولاً، فلا بأس بأن تكون الانتخابات أولاً.
ليس هناك فلسطيني حريص ،فضلاً عن محب لفلسطين، لا يرغب بأن ينتهي الانقسام الفلسطيني ليتوحّد الشعب بفصائله كافة في مواجهة الاحتلال، لكن الكل يدرك أن الانتخابات، ليست هي الطريق ،ولا المفتاح لذلك.
الحل المنطقي والأسهل والأكثر جدوى ،هو العمل على إصلاح وتفعيل منظمة التحرير ،وتحقيق الحد الأدنى من التوافق على مشروع وطني وبرنامج سياسي، ولا أعتقد أن أحداً لديه تفسير منطقي واحد لماذا لم يذهب السيد محمود عباس لهذا الخيار، اللهم إلا فرض الانتخابات على حماس والآخرين في أصعب ظروفهم، وأفضل ظروفه هو (أي عباس). والحقيقة، وعلى عكس الظاهر، فإنني لا أعتبر ذلك ذكاءً ولا قوةً ولا إنجازاً، وإنما له توصيفات أخرى لا داعي لها الآن.
الانتخابات القادمة – إن تمّت – لن تقدّم حلاً لمشكلة الانقسام، بل ربّما ترسّخه وتعمّقت، ولن تكون بمفردها استرايتيجية ناجحة في مواجهة المخططات الصهيونية لتصفية القضية الفلسطينية، ولا هي بالمناسبة ما ينتظره الشعب الفلسطيني. أتفق مع كل ذلك، لكنني لا أتّفق مع حالة السلبية التي يُدعى لها.
صحيح ، أن المشاركة أو المقاطعة قرار شخصي، وحق مكفول للجميع، وكلاهما في النهاية ممارسة ديمقراطية لا تثريب عليها، لكن ينبغي دراسة المآلات المحتملة، حيث من المهم التنبّه إلى أن الهدف الرئيس لهذه الانتخابات ،تجديد الشرعية للهيئات والشخصيات الموجودة حالياً، وإذا ما أتت هذه الانتخابات – إن تمّت- بعد 15 عاماً، فمن يدري إلى متى سيبقى معنا – وعلينا – الشكل الذي سينتج عن الانتخابات المقبلة؟!
وكما قال الأقدمون : ما لا يدرك كله لا يترك جله.
في ظني أن المطلوب،هو الضغط لتتم هذه الانتخابات في أفضل أجواء ممكنة، وأن تكون شفّافة ونزيهة ،وتعكس رأي الشارع، وأن يُعترف بها، وأن يُبنى عليها لاحقاً وسريعاً، ما ينبغي عمله بخصوص النظام السياسي ،والمشروع الوطني الفلسطينيين، وأن تحصل انتخابات في الشتات الفلسطيني ،لاستكمال المجلس الوطني (ما يوحي به المرسوم الرئاسي – وأرجو أن أكون مخطئاً – هو توافق على تعيين شخصيات لاستكماله).
وفي كل الأحوال، تابعنا جميعاً مسار السنوات السابقة، وسنتابع هذا المسار _ إن تم واستكمل حتى النهاية – ما يحملنا جميعاً – فصائل ونخباً وأفراداً – مسؤولية المتابعة والتقييم والرقابة والضغط، وهو ما يتطلّب مواقف شجاعة في التوصيف ،والتقييم ،وتحميل المسؤوليات، ثم العمل والفعل، بناء على ذلك.
*كاتب فلسطيني
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)