وليمة عائض القرني… إنّها ليست بداية انحرافه عن السلفية الحقيقيّة ولا نهايته !
227 3 دقائق
تداولت مواقع التواصل الاجتماعي، على الشبكة العنكبوتيّة، مقطعا مرئيا، لوليمة أقامها الداعية السعودي ،عائض القرني ، في منزله، احتفاء ببعض رجال الأعمال.وأظهر المقطع ، القرني وهو يقف أمام باب غرفة الاستقبال(المجلس)،مرحّبا بضيوفه ، الذين لم يتجاوز عددهم 10 أشخاص، واستضافهم على وليمة ضخمة ،تضمّنت نحو سبع ذبائح على طاولة كبيرة! المقطع ، الذي انتشر انتشار النار في الهشيم، أثار ضجّة كبرى من الاستنكار، لما يمثّله من معاني التبذير والإسراف المنهي عنها، والمخالفة لما كان يحذّر منه القرني في كتبه ومحاضراته! إن الذين أثارتهم ” وليمة” القرني،لم يعرفوا على مايبدو، أن القرني الذي يعرفونه من خلال محاضراته وندواته وأحاديثه، هو غير القرني، الذي كشفته المحن والمواقف والتجارب، وهو ما اقتضى منا في ” كواليس”، أن نضع القرني، تحت مجهر الشخصيات، حتى لا يستمر أحد بالانخداع به، ولا تنطلي على أحد، عذوبة وجمال وسحر حديثه، ولا حتى علمه، وهو الذي أضلّه الله على علم ! الداعية السعودي السلفي ،عائض القرني، هونموذج منحرف عن المدرسة السلفيّة الحقيقية، التي ينحدر منها الآباء الحقيقيون والأصليون، وفي مقدّمتهم: شيخ الإسلام ابن تيميّة، وتلميذه ابن القيّم. من يتابع السيرة الذاتية للقرني، يجد أنها كانت سيرة حميدة في البدايات، عندما انتمى للمدرسة السلفية” السروريّة”، التي تُنسب للشيخ السوريّ الراحل، محمد بن سرور بن نايف زين العابدين، وهو الذي كان قياديا في جماعة الإخوان المسلمين، ولكنه انشق عن الجماعة، وأسّس مدرسة جديدة، انطلقت من السعودية،وجمع فيها بين المنهج السلفي في العقيدة والفقه، والمنهج الإخواني في الحركة والعمل. كان القرني، هو أحد رموز وأعلام هذه المدرسة، التي برز فيها أعلام آخرون ، أمثال :د. سلمان العودة، د. سفر الحوالي، د. ناصر العمر ، ممن ذاع صيتهم، وانتشر أثرهم،وأصبح لهم تلاميذ في كل حدب وصوب. ولكن تعرّض أعلام هذه المدرسة ورموزها والفاعلون فيها، للتضييق والقمع، مطلع التسعينيات، في ضوء معارضتهم للاستعانة بالقوات الأميركية في مواجهة الجيش العراقي الذي احتل الكويت، إضافة إلى إصدارهم خطاب، وجّهوه إلى ” أولي الأمر” في السعودية، طالبوا فيه بإجراء إصلاحات قانونية وإدارية واجتماعية وإعلامية ،تحت إطار إسلامي . وقد أدّى ذلك، إلى منعهم من إلقاء الخطب والمحاضرات العامة، ثم اعتقالهم عام 1994. وفي الوقت الذي صمد وصبر هؤلاء الرموز والأعلام، في السجن، فإن القرني لم يطق صبرا، وكان أوّل الموقّعين على صيغة اعتذار لأولياء أمره، وتعهّد بعدم ممارسة أي نشاط يعبّر من خلاله عن معارضته لسياسات وتوجّهات وقرارات ” أولي الأمر “!
نقطة التحوّل وبداية السقوط
من هنا،كانت نقطة التحوّل في مسيرة عائض القرني، الذي انضم حينها إلى ركاب علماء السلاطين، يسبّح بحمدهم، ويقتفي أثرهم، ويبرّر سياساتهم. إننا نفهم ونتفهّم الضعف البشري، الذي قد يصيب البشر، خصوصا عندما يُصبّ البلاء عليهم، ولكن يسَع المُبْتلى أن يلزم بيته، ويحفظ دينه،وينكر المنكر بقلبه، وهذا أضعف الإيمان. ولكن القرني، مثلما لم يطق البلاء، فإنه لم يطق البعد عن الأضواء، لذا اختار طائعا أن يداهن السلاطين، ويتزلّف إليهم ، بل يُنافقهم، وهنا كانت بداية السقوط، لعالم جذب انتباه الكثيرين من الشباب ذكورا وإناثا، بأسلوبه الجميل، وقدراته الفائقة في التعبير، وحُسن المخاطبة.
الوقوع في مستنقع ” السطو والاختلاس”
ولأن السقوط،تكون بدايته”حنجلة”، فإن القرني واصل السقوط، وأمرته نفسه الأمّارة بالسوء، أن يتحوّل إلى ” لصٍ” ، يسطو على جهود الآخرين، ويختلس أفكارهم وآراءهم،دون الإشارة إليهم، بما تقتضيه الأمانة العلمية.وقد فضح الله سبحانه وتعالى، القرني ، بما قام به، فكانت القضية الأولى، التي سجّلت ضده،من قِبّل ورثة الدكتور الكاتب عبدالرحمن رأفت الباشا- رحمه الله-،لـسطوه على كتاب والدهم (صور من حياة الصحابة)، إذ قاموا برفع دعوى قضائية، مفادها أن القرني قرأ حرفيا من كتاب صور من حياة الصحابة ،أثناء تقديمه برنامجه الإذاعي(هذه حياتهم)، دون الإشارة إلى المصدر .وبعد خمسة أعوام من المداولات، كسب ورثة عبد الرحمن باشا الدعوى ،التي كانوا تقدّموا بها ضد عائض القرني، وجاء في الحكم: {إلزام المُدّعى عليه ،بدفع غرامة 30 ألف ريال ،بسبب انتهاكه حقوق الملكية الفكرية، الصادرة من لجنة الحقوق الفكرية التابعة لوزارة الإعلام في السعودية، وإلزام الإذاعة التي بثّه البرنامج ،بإيقاف إعادة حلقات البرنامج، وأيضا إلزام المُدّعى عليه ،بدفع تعويض قدره 120 ألف ريال سعودي ،لشركة دار الأدب الإسلامي.
والمؤسف أن القرني لم يتّعظ بما جرى له، وواصل ” لصوصيته”،إذ سرق نصوصا كاملة من كتاب الكاتبة السعودية سلوى العضيدان ( هكذا هزموا اليأس )،وأدرجها في كتابه (لا تيأس )، دون الإشارة إلى المصدر!
وقد دفع ذلك العضيدان إلى رفع شكوى قضائية ضده، استمرت المداولات القضائية فيها ،ستة أعوام،قضت بعدها (لجنة حقوق المؤلّف)بوزارة الإعلام السعودية، تغريم عائض القرني ،مبلغ 330 ألف ريال سعودي، شملت 30 ألفاً للحق العام، و300 ألف تعويضاً للكاتبة العضيدان، وشمل الحكم أيضا سحب كتاب القرني (لا تيأس)من الأسواق، ومنعه من التداول،ووضعه بشكل رسمي على قائمة المنع حتى لا يدخل إلى المملكة العربية السعودية!
التبرّؤ من الصحوة والتنكّر لدعاتها
وفي وقت، شنّ ولي العهد السعودي، حملته على العلماء والدعاة في السعودية،عام2017، في أعقاب اغتصابه لولاية العهد، والإعلان عن حصار قطر، خرج القرني في تصريحات، يشيد فيها بولي العهد ” الشاب”، وبمواقفه وسياساته، كما خرج في مقابلة متلفزة، في برنامج ” الليوان”، الذي أصبح موجّها من قبل “رئاسة أمن الدولة” السعوديّة، تبرّأ فيها من ” الصحوة”، التي كان هو أحد مطلقيها ورموزها ! وهو الموقف الذي أراد فيه القرني، أن يؤكّد لأسياده، أنه لم يخرج من ” عباءة الصحوة” فحسب، وإنّما أصبح مندّدا بها، ومستنكرا لها،ولتاريخه معها ! إن إشكالية القرني هنا، ليست في مراجعته النقدية لآرائه وأفكاره، بل وتاريخه، فهي قد تكون فضيلة، إذا انطلقت من مراجعات حقيقية وصادقة، ولكن الإشكالية أنها مراجعات مصطنعة، تنطلق من الخوف والجبن والضعف ، وهو ما عُرفت به شخصية ” عائض القرني”، مذ أن امتُحِنت عام1994، عندما سُجن مع رموز الصحوة. وما يزيد الألم عند المحبّين والمعجبين بشخصية القرني، الذين فُجعوا بسقوطه المتتالي، أن موقفه الأخير، لا يتوقّف عند إدانة التاريخ المشرق ل” الصحوة” فحسب،ولكنه ينافي المروءة والرجولة، إذ يأتي ورفاق دربه: سلمان العودة، وسفر الحوالي، وناصر العمر، يرزحون في سجون ابن سلمان، دون ذنب ارتكبوه، إلاّ أن يقولوا : ربّي الله ! إذن ، خلاصة القول في عائض القرني، إنه وقع في خطايا: مداهنة السلاطين ،ونفاقهم ،والتزلّف إليهم، والدفاع عن باطلهم ،والتبرّؤ من الصحوة ودعاتها، والتنكّر لتاريخه معهم، والسقوط الأخلاقي المريع، سواء بانتفاء المروءة والرجولة، أو بالسرقات العلمية المتتالية، التي كُشف بعضها، ولم يكشف غيرها !وأخيرا وليس آخرا، جريمته في التبذير والإسراف، بالوليمة التي أقامها ل ” الملأ”، لا لوجه الله، ولكنها تزلّفا وتقرّبا منهم !