محمد إلهامي*
حـماس وأردوغان وطالبان ،وسائر الواقفين على ثُغُورِ الأُّمَّة في الشام وغيرها، هُم القِلاع الإسلامية الأخيرة، بهم يعصم الله نفوس الملايين من المسلمين، وبهم تُحْجَز أعاصير مِنَ الكـُـفر والضلال، وفي محاضنهم ،يجد كلّ ذي ثغر فرصة،لنشر ما عنده مِنْ عِلْمٍ أو دعوة أو تَقَدُّم تِقَنِي في سبيل الله!
ومهما يوجد عندهم مِنْ أخطاء، فإنَّما هي أخطاء العاملين، فالقاعدون لا يعملون، فلا يخطئون، وإنَّما هي أخطاء البشر ،الذين لم يَعْصِم الله منهم أحد.
وهي في كثيرٍ منها اضطرارات وإكراهات، نتجت عن الضعف العام لِلأُمَّة، وقوة الفارق بينها وبين عَدُوِّها سلاحًا ومالًا ورِجالًا وإعلامًا.. فما مِنْ عامِلٍ، إلَّا وهو بين خيارات مريرة، ولا يكاد يوجد في عالَمِ الإسلام اليوم مَنْ يختار أكبر المصلحتين ،بل كلهم مَجْبُورٌ على الاختيار بين أقل الضررين.
فالذي يحرص على توجيه سهامه نحو هؤلاء، أقل أحواله أنَّهُ ضعيف النظر، وإنْ كان مُخْلِصًا وعلى قَدرٍ مِنَ العِلْمِ الشرعي (النظري)،وأحسب أنَّهُ لا يشفع له عِلْمُهُ ولا حرصه، ومثله يستيقظ عند وقوع الكارثة وربما لا يستيقظ.. ولقد كان بعضهم لِسانًا حديدًا شديدًا على الرئيس مرسي، حتى استبشر بسقوطه! يحسب أنه سيقيم بعدها دولة الإسلام!! فإذا أحسنهم ساكت، أو يَتخفَّى خائفًا على نفسه مِنْ بعد ما كانت أمامه قنوات ومساجد وساحات وميادين!!
وبعضهم لا زال سادرًا في غَيِّهِ وخطله، يُحَدِّثك عن فتنة الجماهير في دِينِها ،إذا لم “يكشف” لهم خطايا العاملين!! هذا وهو يرى بنفسه ،أنَّ سقوط مرسي فتح على الجماهير أبواب الكــفر والإلحاد والإباحية، حتى صار أحسنهم يُنْشِئُ صفحة على الفيسبوك يُعَلِّم النَّاس فيها مبادئ الدِّين!!
وهذه السودان نموذج آخر، بعد سقوط البشير.. مَنْ كان يَظُن أنَّ الشيوعيون سيفعلون فيها كل هذا؟!
أمَّا لو سقطت غزة ،أو تركيا، أو ما بَقِيَ مِنَ الشام لكانت نكبة عظمى، وسوادًا عامًّا تامًّا على الأُمَّةِ كُلِّها..
بل أقول، ولا آبه بغضب أحد، إنَّ إيران – على الرغم من كل جرائمها- مِنَ القلاع التي إذا أسقطها الأمريكان لتوحَّشوا هم والصهايـنة، تَوَحُشّا يَهُونُ معه كُل ما نراه مِنْ توحشّهم الآن.. إنَّها، مع كُل ما أجرمت فيه، حَجَر عثرة أمام تحوّل المنطقة كلها إلى إمارات بن زايد ومصر السيسي وسعودية ابن سلمان!! هذا واقِعٌ لا علاقة له بِمَا نُحِبُ وما نَكْرَه..
حتى الغنوشي والعثماني وأمثالهما،بقاؤهم خير مِنْ مآل الأمر إلى غيرهم، مع كُل بغضي لهم ولمنهجهم وسياستهم، وأحسب أنَّهُم إلى سُقُو طٍ في نهاية الأمر، فهؤلاء يتنازلون تحت الضغط والإكراه أو رغبة في الأمن على نفوسهم ومواقعهم، وأمَّا غيرهم ،فَيُفْسِدُ حبًا وكرامةً وبدافع مِنْ عداوتِهِ لِلدِّين وإيمانِهِ بِالعلمانية!وهذا أيضًا واقِعٌ، لا علاقة له بِمَا نُحِبُ وما نَكْرَه.
وهذه-بالمناسبة- آرائي منذ قديم، وليست تحوّلا قريبًا ،ولا هي نتيجة أوضاع جديدة.. ومع أنِّي حريصٌ على كُلِّ عينٍ تَقْرَأُ ما أكتب وكُل أذنٍ تَسْمَعُ ما أقول، إلَّا أنَّهُ يُؤلِمني أنْ يُكْثِرَ في أولِئك جماعة المثاليين والنقائيين ومَنْ يتصوَّرون أنفسهم في عهد الراشدين يريدون مِنْ كُلِّ أحدٍ ألَّا يَنْزِلَ عن مستوى عمر بن الخطاب.. وأكاد أراهم لو كانوا في ذلك العهد، لكانوا مِنَ المتمردين على عثمان ومِنَ الذين قاتلوا عَلِيًّا.
فمن آذاه هذا الكلام ،ورأى أنَّهُ غير مقبول أبدًا، فَلْيُفارِق بالمعروف.. سائلًا الله لي ولَهُ الهُدَى والرَشَاد والسَّدَاد.
*مؤرخ وباحث مصري
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)