مقالات

هل تتحوّل أذربيجان من الشيعة إلى السنة؟!

سعود أبومحفوظ*
تطوّع كثير من الباحثين والصحفيين الغربيين لطرح هذا السؤال ، ولا أظن أن الغرض برئ مطلقاً، فواقع الحال أن أذربيجان أكثر بلد علماني دستورياً، وواقعياً في العالم الإسلامي،وتخضع لأسرة حاكمة تمارس تغوّلا منذ وراثة الوالد الشيوعي السابق، والحكم هناك لا يتساهل مع أي مظهر من مظاهر الدين.صحيح أن البلد في أًصله مسلم، و دخل في الإسلام في العهد العمري، قبل العديد من البلدان العربية، وتعزّز الوجود الإسلامي في العهد الأموي، وكانت أذربيجان وارمينيا عش السادة الشافعية، ولا زالت بقايا الآثار الإسلامية ظاهرة إلى اليوم في العاصمة الأرمينية (يريفان)،التي كانت تقطنها أكثرية مسلمة، حتى قيام الثورة البلشفية في 17/10/1917م.
إن موقع أذربيجان، حسّاس للغاية،ولذلك تعرّضت للغزو المستمر، ومن ذلك الموجة الصفوية في القرن السادس عشر، التي غيّرت هويتها السنية، إلى الإثني عشرية، بعد الخلاص من الفقهاء والعلماء وشيوخ التصوّف،وطوال سبعة عقود ،طمس السوفييت كل معالم الدين،وهدمت الآف المساجد والمدارس، ودور القرآن، وفي عام 1989م،لم يكن في أذربيجان، إلاّ (18)مسجداً للفرجة، وحج منها(3)حجّاج فقط، من أصل 7.000 حدّدتها الكوتا المتحكّمة بالحج.
اليوم يشكّل المسلمون 97% من السكان، والباقي أخلاط يتوزعون على 760 كيان ديني صغير، ونحو 60% من المسلمين شيعة،و40% من المسلمين سنّة،أكثرهم شوافع،وبعضهم أحناف، وأكثر السنة من الكرد،وهؤلاء لا يتشيّعون عادة، والتتار، القوازق، وبقايا الترك، والأذريين الشماليين بجوار داغستان المتديّنة جداً.

على الرغم من العنت،فإن كثيرين من الشباب الأذريين، التحقوا بالحوزة في مدينة قم الإيرانية، ونشطت مؤسسات الولي الفقيه، لاستقطاب أئمة المساجد السنية والشيعية، لاستكمال علومهم في إيران،وقدّمت لهم التسهيلات،وبعض الشباب ،اتّجه إلى البلاد العربية وماليزيا والباكستان،وهو الأمر الذي تصدّت له السلطات بكل قسوة. ويوجد في البلاد اليوم نحو 3000 مسجداً، ومن أشهرها مسجد أبو بكر الصديق في (باكو )القديمة، ولكنه مغلق الآن كما غيرة من مساجد السنه.
الشيعة نشطون جداً، واستلهموا الإسلام الإيراني،وأخذوا يحيون طقوس عاشوراء بكل اشكالها ،على الرغم من مقاومة السلطات الرسمية، والسنّة نشطوا في اوساطهم السلفية الخليجية بأنواعها، و هناك السلفية المقاتلة من دول شمال القوقاز المجاورة، إضافة للإسلام التركي الرسمي، والنورسية، وجماعة فتح الله جولن ،التي كان لها مدارس، وجامعات، وصحف واذاعات، ومساجد، لكنها حظرت تماماً منذ خمس سنوات،وللحقيقة فإن الأذريين متسامحون متصافحون في الغالب، حيث تشير الدراسات الى أن 40% منهم يصف نفسه على أنه مسلم وكفى، ولذلك يصلّون معاً في نفس المساجد، لكن هناك 38% يصفون أنفسهم كشيعة، و18% يصفون انفسهم كسنة.
إن التديّن في أذربيجان، ليس عميقاً، فلا زالت الدولة تدير البلاد بالعقلية السوفيتية العقيمة، ولكن الناس تدريجياً، يعودون إلى فطرتهم الأولى، خاصة وهم يشاهدون التعصّب الأرميني المتوحّش بجوارهم، والذي لم يتوقّف رغم عشرات المذابح للمسلمين، لعلّ أفظعها ما حصل أثناء الحرب الأرمينية المدعومة روسياً ضد المسلمين عام 1905 – 1906م،وراح ضحيتها ألوف مؤلّفة من المسلمين، وأخرها التطهير العرقي والتنظيف الديني للمسلمين عام 1992م،في كرباخ ،و7 محافظات حولها ،والتواطؤ الغربي ضد حقوق اللاجئين الأذريين .
بلا شك،تكشّفت المواقف الإيرانية المساندة تاريخياً للأرمن، وتجلّى الدعم التركي ،الذي حسم المعركة لصالح مليون لاجىء أذري، وهذا دفع الأذربيجانيين للتفاعل القومي مع تركيا…إن مجموع الأذريين في إيران، وجورجيا، والعراق، وتركيا نفسها،قدّروا هذا الموقف لتركيا الشقيقة الكبرى للشعوب التركية المتوزّعة في (12 )دولة، ولا يعني ذلك تحوّل الهوية الأذرية من الشيعة إلى السنة، فالشيعي شيعي، والسني سنُي، وكل له خصوصياته، لكن تبقى الحالة الشيعية في أذربيجان، أكثر تسامحاً مع الأتراك، ربّما للتداخل التاريخي، والقومي، و النضالي المشترك، ضد البطش الروسي والمجازر الأرمينية، وستترك الحرب الأخيرة،آثارا ايجابية ،نحو استعادة الهوية الأذرية الجامعة لمجموعة شعوب موحّدة الوجدان، ممزّقة الكيان، موزّعة جغرافياً على خمس دول.
ربما يحصل تقارب أكثر، واستدارة متوقّعة نحو تركيا ،ولكن التأثير الشيعي الايراني، لا تخطئه العين في المساجد الحديثة، والحسينيات الجديدة، والجمعيات، والخدمات الموجّهة في المدن والقرى الأذرية الجنوبية على وجه الخصوص، في المقابل ،ليس لدى الحكومة التركية مشروعا دينيا، ولا رسالة دينية يقدّمها،ولا تمتلك قوة ناعمة،ولايعتمد الحزب الحاكم على شبكة دعاة،كما هو الحال في الجانب الآخر، ولكن ربّما يستفيدون من الطريق الواصل بين طرفي أذربيجان في التواصل مع الأذريبين وعبر بلادهم مع العالم التركي في وسط اسيا،وبالتالي يصبح الاذريون صلة الوصل.

*سياسي أردني( نائب سابق)

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق