لمى خاطر*
مثلما انشغل العالم على الصعيدين السياسي والإعلامي بتحليل وترقّب أفق ومدى الرد الإيراني على اغتيال الجنرال قاسم سليماني، مطلع العام الجاري، بغارة جوّية أمريكية قرب مطار بغداد،هاهو ينشغل اليوم أيضا، ونحن على مشارف نهاية العام الحالي ، بتحليل وترقّب تبعات اغتيال العالم النووي الإيراني ،محسن فخري زادة، الذي يعدّ عنوان برنامج إيران النووي، ووزنه وأثر خسارته،ربّما لا يقلّ عن وزن وأثر خسارة سليماني، مع كون فخري زادة العالم النووي الإيراني السادس ،الذي يتم اغتياله خلال العشر سنوات الأخيرة.
الفارق بين عمليتي الاغتيال،أن الأولى،حدثت خارج حدود إيران، وإن كانت في مجال نفوذها، وأن أمريكا اعترفت بتنفيذها مباشرة، فيما الثانية حصلت في العمق الإيراني، دونما اعتراف مباشر بالمسؤولية عنها من أي طرف،وإن كانت مسؤولية الموساد الإسرائيلي عن تنفيذها شبه واضحة، مع شبه احتفاء بها من ترمب والمستوى السياسي الإسرائيلي.
بطبيعة الحال،لم يعد مناسباً لإيران، بوزنها وقدراتها ومدى شعاراتها، أن تردّد بعد كل انتهاك إسرائيلي أو أمريكي لأمنها، على أرضها أو في سوريا أو العراق، أسطوانة النظام السوري حول الرد في المكان والزمان المناسبين، ولعلّ النظام الإيراني بات اليوم ،يدرك مدى حاجته لرد رادع بعد أشكال الاستهداف والاستباحة العديدة ،التي طالت منشآته وعناصره البشرية وموارده التسليحية في مناطق نفوذه، ذلك أن صمته بات يغري أعداءه بمزيد من الضربات المركّزة، وإن كان لهذا الصمت أو التأنّي ما يبرّرهما من وجهة نظر النظام في إيران،فإنه لا يبدو كذلك في نظر الآخرين،ولن يقرأه أعداؤه، إلاّ ضعفاً ناجماً عن أزمة إيرانية داخلية وخارجية.
مع حاجة إيران لترميم صورتها ،وهيبة منظومتها الأمنية، قد تلجأ إلى رد مدروس ومحدود على عملية الاغتيال، وإن كان الردّ مطلوباً لترميم الهيبة وصناعة ردع ولو كان شكليا، فإن محدوديته تبدو خياراً إيرانياً اضطراريا، ليس فقط لإدراكها أن هناك محاولة من نتياهو وترمب لاستدراجها ،إلى حرب ،أو جعلها عرضة لهجمات مركّزة تطال منشآتها العسكرية،قبل مغادرة ترمب إدارة البيت الأبيض، بل كذلك لأن هناك ضرورة –أو هكذا يفترض- لمعالجة الاختراق الأمني الحاصل في مؤسساتها الأكثر حصانة وسرية، وهو اختراق لم تدلُل عليه فقط عملية الاغتيال الأخيرة وآلية تنفيذها، بل بدا واسعاً وعميقاً منذ ظهور نتنياهو في مؤتمره الصحفي عام 2018،ليستعرض ويكشف تفاصيل البرنامج النووي الإيراني،وما قال إنه نجاح إسرائيلي في اختراقه على الصعيد الاستخباري.
نشاط الموساد في اختراق المستويات الأمنية لأعدائه التقليديين، لم يتوقُف منذ تأسيس الكيان الصهيوني، لكنّ أي نظام أو كيان لن يكون مطمئناً إلى خوض أي مغامرة عسكرية وهو مكشوف الظهر، وهذا الانكشاف الأمني الإيراني، لم يكن فقط نتاج نشاط الموساد التقليدي، بل لأن سياسات إيران الداخلية والخارجية، ساهمت في هذا التفكك، فبيئتها الداخلية ليست متماسكة، ومعارضو سياساتها في ازدياد، مثلما أن وضعها على صعيد الأمتين العربية والإسلامية في أسوأ حالاته، بعد سياساتها الدموية والتمددية في عواصم عربية عديدة خلال السنوات الأخيرة.
على هامش الجدل الناشئ في المجال العربي، عقب عملية الاغتيال الأخيرة ما بين شامت ومستنكر وغير مكترث، وهو بات يعيد نفسه ،عقب كل عملية مشابهة أو استهداف لإيران في المنطقة، ليس مهماً إثبات صوابية وجهة نظر ما على حساب غيرها، بقدر ما يجب أن يقوله هذا الاختلاف لإيران قبل غيرها، ذلك أن أكثر الناس على مستوى الأمة،لا تمنح أحداً شيكاً على بياض،حتى لو رفع شعارات العداء لأمريكا و”إسرائيل”، وإن كانت إيران ستخوض حرباً قد تفرض عليها في أية لحظة، فعليها أن تفعل كل ما من شأنه،أن يرمّم شيئاً من صورتها على مستوى الأمة، ومثلما أن إيران ستكون بحاجة، لأن يكون ظهرها مؤمّناً على الصعيد الأمني الداخلي ،إن فُرض عليها خوض الحرب، أو حتى ردّ العدوان، فهي بحاجة مماثلة إلى أن يكون ظهرها مسنوداً على صعيد الأمة، ربّما لم يفت الأوان على جهد كهذا بعد، لكنه لاحقاً قد يكون عبثياً وغير ممكن، المهم أن تعي إيران حاجتها للتصالح مع عمقها العربي والإسلامي، وإصلاح ما أفسدته حراب سياساتها خلال السنوات الأخيرة.
*إعلامية وكاتبة فلسطينية
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)