مقالات

حلف الزهار الرباعي لإزالة إسرائيل

ماجد عزّام*

لا أميل عادة إلى شخصنة أي نقاش فكري أو سياسي، وهذا المقال بالتأكيد، لا يحيد عن هذا المنهج، إلاّ أن ما قاله القيادي في حركة المقاومة الإسلامية حماس محمود الزهار ،لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، وأنا أستغرب أصلاً، أنهّ لم يثر جدل ونقاش حوله ،كون القائل ليس شخصا هامشيا-هو ليس عضو من حزب التحرير رفع لافتة في تظاهرة عابرة – ،بل هو أحد قيادات حماس،وتربّى لعقود على فكر الإخوان المسلمين،ثم مارس السياسة لعقود أيضاً،حيث كان وزير خارجية في حكومة السلطة الفلسطينية العاشرة، ورئيساً لكتلة الحركة في المجلس التشريعي، وبالتالي ما يقوله،يجب أن يكون محل اهتمام فكريا وسياسياً، وبالتأكيد دون شخصنة ،أو حرف للنقاش عن مساره النقدي الطبيعي.
كان محمود الزهار ،قد دعا في مقابلة مع قناة العالم الإيرانية – الثلاثاء 27 تشرين أول/ أكتوبر – ٢٠٢٠م،إلى تشكيل حلف رباعي ،يضمّ غزّة، وجنوب لبنان،وسوريا،وإيران ،من أجل إزالة إسرائيل،وتحرير فلسطين.
كحركي وإخواني عتيق ،كان يجب عليه امتلاك الحساسية المبدئية والأخلاقية في اختياراته، وكسياسي صاحب خبرة ،لا يجب أن يكون منفصلاً عن الواقع إلى هذه الدرجة ،عاجزاً عن رؤيته وتشخيصه بشكل سليم ودقيق ،من أجل ضمان نجاح عملية تغييره للأفضل، على افتراض أنه يسعى لذلك طبعاً.
اعتبر الزهار بداية ،أن كل فلسطين محتلة ،باستثناء غزّة المحرّرة، والقادرة برأيه رغم الحصار، على الانضمام إلى حلف إزالة إسرائيل وتحرير فلسطين. وهنا نرى بوضوح عجزا موصوفا عن تشخيص الواقع ،واستخلاص العِبر والاستنتاجات المناسبة منه.
في الحقيقة ،غزّة محتلة ،حسب تقديرات الأمم المتحدة، كما وفق تقرير قانوني صادر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، وثمة مطالبات دائمة من حماس وأطراف فلسطينية عربية ودولية لإسرائيل، بتحمّل مسؤولياتها ،كقوة احتلال، مع سيطرتها التامة على الأجواء والحدود البرية والبحرية لغزة.
وحتى لو اعتبرها الزهار محرّرة،فهي غير قادرة حتماً على المساهمة في حلف إزالة إسرائيل، كونها ببساطة فشلت في رفع الحصار عن نفسها ،بعد ثلاث حروب مدمّرة، وباتت هذا العام مكانا غير مناسب للعيش ،حسب تقرير رسمي للأمم المتحدة، ونسبة الفقر والبطالة فيها تلامس 70 بالمائة ،وأكثر من 80 بالمائة من أهلها يعتمدون على المساعدات الغذائية، وبناء عليه، فهي غير قادرة حتماً على الانخراط في حلف معركة إزالة إسرائيل وتحرير فلسطين.
في المقابل، اعتبر الزهار جنوب لبنان محتلاً من قبل إسرائيل، وبالتالي فإن المقاومة اللبنانية مؤهّلة للاشتراك في حلفه المزعوم. وهنا أيضاً ثمة عجز عن تشخيص الواقع والخروج بالعِبر المناسبة والصحيحة ،كون جنوب لبنان ليس محتلاً، بل تم تحريره بالكامل في العام 2000. أما مزارع شبعا، فهي أرض سورية محتلة ،تسري عليها القرارات الأممية 242 و338 لا القرار 425 الخاص بجنوب لبنان، وهي أي شبعا ،كما يقول الزعيم وليد جنبلاط دائماً وعن حق ،مجرد اختراع من حزب الله ونظام الأسد وإيران لإبقاء وشرعنة سلاح الحزب ،بعد ما أنجز مهمة التحرير التي لاقت إجماعا لبنانيا حولها ،رغم ملاحظات مهمّة عن الاحتكار الطائفي والسياسي لها، بعد إجهاض تجربة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية – جمول – ،وحتى اغتيال قادتها ورموزها من قبل النظام وعملائه.
المقاومة اللبنانية، لم تعد كذلك ،بعدما تمّت عسكرتها وتحويلها إلى جيش كامل الأوصاف، عسكرة أدّت إلى كسر التوازنات الدستورية والطائفية والسياسية، وأوصلت البلد إلى حافة الحرب الأهلية.
المقاومة المعسكرة تحكّمت، وبالقوة الجبرية بمفاصل السلطات كافة، وحوّلت لبنان إلى دولة فاشلة،حسب اعتراف وزير الخارجية “المهني” المستقيل ناصيف حتي، ولذلك بات غير قادر وغير مؤهّل للمشاركة في الحلف المزعوم.
المقاومة المعسكرة تمسّكت ولعقود بالتهدئة مع إسرائيل، وباتت الجبهة اللبنانية “المحتلة” ،أكثر هدوءً حتى من غزّة “المحرّرة”،بعدما تحوّلت المقاومة السابقة إلى ذراع إقليمية للسياسة الإيرانية الاستعمارية،وساهمت مباشرة في تدمير الحواضر العربية الكبرى في دمشق وحلب وحمص والموصل وبغداد، وتهجير أهلها، علماً أن تلك الحواضر، أخذت على عاتقها تاريخياً مهمّة مواجهة الغزاة وتحرير فلسطين، كما حصل في صدّ وهزيمة التتار والصليبيين.
اعتبر الزّهار كذلك ،أن لسوريا أراضي محتلة،ولذلك هي مؤهّلة للانضمام إلى حلف إزالة إسرائيل. وهنا نحن أمام انفصام أخلاقي لا سياسي فقط، وفي السياق عجز تام عن رؤية الواقع كما هو.
هو يقصد طبعا سوريا الأسد ،الطائفية المتجانسة ،المفيدة للغزاة ،لا سوريا التاريخية
العظيمة ،التي قتل الأسد مليون من أهلها، وهجّر عشرة ملايين آخرين، ودمّر وأحرق نصفها من أجل البقاء في السلطة وفق قاعدة شبيحته الشهيرة “الأسد أو نحرق البلد”.
تجاهل الزهار أيضاً ،حقيقة أن بشار الأسد ،جلب الغزاة لحماية حكمه وبقائه في السلطة ،وبات رهينة أو أداة لهم، وروسيا القوة الكبرى القائمة بالاحتلال في سوريا، أبرمت تفاهمات سياسية وعسكرية صريحة وعلنية مع الاحتلال الإسرائيلي، لا يجرؤ الأسد على مجرد التفكير بتجاوزها أو الخروج عنها.
معلوم طبعاً ،أن الأسد لم يطلق ولعقود رصاصة واحدة باتجاه الاحتلال الإسرائيلي، ومنذ فترة قريبة فقط توغّلت قوة إسرائيلية في الجزء المحرّر من هضبة الجولان ،ودمّرتت موقعاً للنظام، ثم عادت إلى قواعدها سالمة ،دون أي ردّ فعل منه ،وبدا وكأنّه غير مكترث أصلاً بالعملية الإسرائيلية.
لا بأس من التذكير أيضاً ،بمئات الغارات ،والهجمات الجويّة الإسرائيلية ضد مواقع النظام والميليشيات الإيرانية ،دون ردّ جدي وفعلي منه ومنها، مع احتفاظهم طبعاً بحق الرد في المكان والزمان المناسبين.
نظام بشار الأسد ،لم يعد له وزن أو قيمة حسب تعبير زميل الزهار القيادي الحمساوي نايف الرجوب، وهو بالتأكيد غير مؤهّل أخلاقياً وسياسياً للانخراط في حلف إزالة إسرائيل وتحرير فلسطين.
إيران أيضاً مستهدفة من إسرائيل، وهي مدعوة للانضمام إلى الحلف برأي محمود الزهار، رغم أنها لم ترد على الهجمات الإسرائيلية في عقر دارها – ولا في سوريا طبعاً – ،وهي تعرف طبعاً من المسؤول عنها ،حيث نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن رئيس جهاز الموساد يوسي كوهين ،إعلانه المسؤولية رسمياً عن تلك الهجمات ،لدرجة أن وزير الحرب السابق أفيغدور ليبرمان، طالب بنيامين نتنياهو علناً بمحاسبة كوهين على فعلته.
إلى ذلك ،لم تردّ إيران جدياً على مقتل رئيسها الفعلي الجنرال قاسم سليماني، الذي تحكّم تماماً بسياستها الداخلية والخارجية، علماً أن الزهّار،اعتبر ردها الخجول والشكلي آنذاك بمثابة تأكيد على قوة محور المقاومة المزعوم.
 لا بد من الإشارة كذلك، إلى أن إيران المنهارة والمتراجعة، كانت استجدت الغزاة من أجل احتلال العراق وسوريا ،لترسيخ هيمنتها الطائفية الموتورة ،وأخلاقياً وسياسياً لا مكان لها أيضاً في حلف إزالة إسرائيل وتحرير فلسطين.
عموماً، فإن المشكلة الجوهرية تتمثّل بتماهي محمود الزهار التام مع قيادة حماس الحاكمة في غزة والمتنفّذة في الخارج، ولكن الجيد أن العقل الإخواني-الحمساوي العام، تحديداً في الضفة الغربية والشتات لا يفكر بهذه الطريقة، ولا يزال يؤمن بالحقائق التاريخية الراسخة التي طالما ردّدها قادة الحركة ،بما فيهم الزهار نفسه القائلة: إن مهمة تحرير فلسطين “إضافة إلى صمود الفلسطينيين بوطنهم” ،ملقاة على عاتق الحواضر العربية والإسلامية الكبرى في القاهرة ودمشق وحلب وبغداد والموصل وإسطنبول ،ولا مكان فيها لإيران وأدواتها لا في الماضي ولا الحاضر والمستقبل أيضاً.

*باحث وإعلامي فلسطيني

(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق