مصطفى صقر*
إن المتابع للمشهد الانتخابي النيابي الأردني، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خلال الأسبوع الماضي – على وجه التحديد – ،سيصاب بحالة من الارتباك (يبدو أنها مقصودة) ،من شدّة الحيرة،وكثرة الأسئلة المنطقية ،التي تتراءى بين عينيه.
فعلى صعيد دعاة المقاطعة،فقد شنوّا حملتهم مرة أخرى ضد المشاركين، (وتحديدا ضد التحالف الوطني للإصلاح، والجمهور المقتنع بطرحهم السياسي وتجربتهم البرلمانية)،،بدعوى أن التوجّه إلى صناديق الإنتخاب ،ستزيد من انتشار فيروس كورونا بين الجميع، وظهرت بوستات على شكل نكات أو سخرية، أو نقد للمقبلين على الانتخابات ،وعدم تغليبهم الواقع الصحي، في خطوة غريبة تحمّل المشاركين في الانتخابات (وتحديدا التحالف الوطني للإصلاح ) المسؤولية الكاملة عن ما سيجري للكوادر الصحية والمستشفيات، كل هذا دون الإشارة حتى إلى الحكومة المتخبّطة أساسا في إدارة الملف،وصاحب القرار المصرّ أصلا على إجراء الانتخابات، حتى لو كانت نسبة المشاركة 2٪ فقط، أي جماعة المطبّلين لهم، وهذا أمر يدعو للحيرة أيضا !
على صعيد المرشحين الآخرين (في مختلف المحافظات) ،تجد أن هذا العراك الفيسبوكي لا يعنيهم البتة، بل لا يلتزمون أصلا بأبسط إجراءات السلامة العامة،المحصّنة بقوانين الدفاع، وتعليمات الهيئة المستقلة للانتخابات، الذين يقيمون فعالياتهم الجماهيرية بكل صلف (مرفق بعض الفيديوهات المنتشرة عبر الفضاء الفيسبوكي)، ودون أي محاسبة ومراقبة من قبل الحكومة أو الجهات الأمنية، في خطوة تظهر حال من الاتفاق معهم – أو على الأقل السكوت عنهم -،لكي يجري الأمر بكل سلاسة وهدوء، ويفوز بعض أزلام النظام وحرسه القديم، ويرسّخون حالة المنفعية بين الفاسدين والمتنفّذين، في حالة غريبة من السكوت غير المبرر ،من قبل المقاطعين (وكأن الأمر لا يعنيهم).
أما إذا ذهبنا باتجاه المعلمين: نجد أن جرحهم النازف ما زال يشغلهم، متناسين أن الحراك الاصلاحي بكل أشكاله (السياسي والاقتصادي والاجتماعي)،لم ينته عند حلّ مجلس نقابتهم، وأن المشاركة الفاعلة في الانتخابات، قد تتيح فرصة في تعزيز وجود الإصلاحيين (الذين يحملون أجندة المعلمين) في مجلس النواب، مما يقوّي موقفهم أكثر وأكثر، إلا أن غيمة المقاطعة، بدعوى (الحرد النقابي) و (الكفر بالقدرة على الإصلاح)،ما زالت تلقي بظلالها على المشهد.
حتى كوادر الحركة الإسلامية، وجمهورها الداخلي ،يعاني هو الآخر من رياح اليأس من التعاطي السياسي مع النظام، فهو الذي حطّم مشروعها الخيري (جمعية المركز الإسلامي الخيرية) ،وسحب منها غطاءها القانوني باسم (جماعة الإخوان المسلمين) ،وأعطاه للمنشقين عنها ،لتفتيت بنيتها، بل وساعد منشقيها على إنشاء كيانات سياسية جديدة لإضعاف قوتها العددية والاسميّة، وكانت آخر رياح اليأس،قد هبّت مع الإجراءات التعسفية التي قامت بها الحكومة السابقة ضد نقابة المعلّمين الأردنيّة، مما جعل مبدأ المشاركة (البدهي) ،يطرح مرة أخرى على طاولة النقاش، ويحتاج إلى مخاضٍ عسيرٍ حتى تم، ثم ما زال اليأس بعد ذلك كله ،يخيّم على العديد من ناشطيها ومفاتيحها المميّزة..
كل هذا، وما زال الموج السياسي يتلاطم، ولا يدري التحالف الوطني للإصلاح ،ممن يتلقّى الضربة…
(1) أهو من القوى الظلامية في بنية النظام ،التي تسعى نحو هندسة الانتخابات بطريقته التزويرية، وما زالت تضغط على مرشحيها بالانسحابات المتكررة لإفقادها زخم التنوّع، ومن ثم إعداد قوائم الفوز من الآن – وقبل إجراء الانتخابات حتى -؟؟
(2) أم من المقاطعين (ولهم كل الاحترام والتقدير) ،بغض النظر عن قراءتهم السياسية، إلاّ أنهم لا يؤثرّرون إلا على جمهور التحالف والمهتمين عمومًا بالشأن العام فقط؟؟؟
(3) أم من كوادر #الحركة_الإسلامية المحبطين من إجراءات النظام وقدرته على التأثير في مختلف مناحي المجتمع؟؟؟
(4) أم من جمهور الناخبين العام، الذي تأثّر بفعل القوى الظلامية، وتحطيمها لأعلى وأقوى المؤسسات الدستورية (مجلس النواب)، ويأس من المشاركة، وقرّر أن يجلس في البيت، ويشارك (برغبته أو عدمها) في تثبيت قواعد الفساد مرة أخرى؟؟؟
بظني ،أن هذا المشهد الدرامي الذي رسمته بين يديكم،هو أشبه بـ (كوميديا سوداء) مقصودة، تسعى نحو ترسيخ أوتاد الفساد لأربع سنوات قادمة، وتحرم الإصلاحيين، حتى من إعلان استنكارهم ورفضهم لهذا الواقع، بل وتساعد المهرولين نحو صفقة الخزي والعار المسمى بـ (صفقة القرن) بتسريع المضي بها ،تحت نظر مجلس النواب القادم ،دون أدنى تجريم، في منظر يشابه أصحاب السبت الذي قص علينا الله قصتهم في القرآن الكريم:
*فاسدون يعصون الله في صيد السبت!
*مصلحون يدعونهم للتوبة ويستنكرون عليهم صيدهم!
*مقاطعون (للصيد والإصلاح) ،وينكرون على المصلحين مسعاهم!
فماذا كانت النتيجة؟؟؟ قال تعالى (فلما نسوا ما ذُكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء، وأخذنا الذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ بما كانوا يفسقون)
رسالتي للمترددين من كل الأطراف: قم، وانفض عنك غبار اليأس،واعمل بكل الاتجاهات، واعلم ان الله على كل شيء قدير.
*ناشط سياسي أردني
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)