ساري عُرابي*
واحدة من أكبر المشكلات التي تفسد علاقاتنا الأخويّة، هي الانطباعات المتوهّمة، والمواقف المبنية على لا شيء، أي ليست مبنية على أخطاء حقيقية، بقدر ما هي مبنيّة على انطباعات وذوقيات ،يفترض أنها غير مؤثّرة في استمرار الموالاة الأخوية، والاستفادة من الأخ، والاستثمار في طاقته وكفاءته، وهكذا كثيرًا ما نحرم أنفسنا على المستوى الفردي والعلاقات الشخصية من الاستفادة من أخ، لنفور نفسي غامض منه، أو لبعض ما في خلقه وتعامله مما يمكن أن يوجد ما يوازيه فينا، والأمر نفسه على المستوى المؤسسي ،حينما تخصع الإدارة للمزاج الشخصي،فنحرم أنفسنا من الاستفادة من عطاء أخ، بل يبلغ الأمر ببعض الأخوة، الكفّ عن متابعة أحدهم في الفيسبوك، مثلا، لمجرد انطباعات لا تستند إلى معطيات صلبة.
كلنا نقع في هذا،وكلنا لا يمكن أن ننفك عن الانطباعات، والحدس، والاستجابة النفسية في التعامل مع الآخرين،لكن لا ينبغي أن يجور ذلك على العدل، حين الحديث عنهم في غيبتهم، وينبغي النظر لهم بنظّارة أخرى غير تلك الانطباعات، وأن نتواضع في تقييمنا للآخرين، فلا أحد منا يصحّ منه الجزم بمعرفة ما في قلوب الآخرين.وبناء المواقف السلبية، التي بالكاد تتسلّح ببعض الظنون والأخطاء الصغيرة، ينطوي على ادعاء كاذب بالطهورية، والأفضليّة الأخلاقيّة، بل مثل هذه المواقف قد تكون ناشئة عن حسد وغيرة مَرَضية.
يحقّ للناس طبعا أن يرفعوا الضغط عن نفوسهم،الناشئ عن معرفة أو علاقة تبعث على التوتّر،لكن في الوقت نفسه،فليبحثوا عما يكمن في نفوسهم من عيوب، قد تكون هي سبب التوتّر، ويحق للمظلوم أن ينتصر من أخيه الذي ظلمه،ويحق لمن انتُقص حقه إظهار عتبه، ويحقّ لمن وجد أخطاء أخيه الحقيقية قد تفاحشت أن يتخفّف من علاقته به.
لكن، فليكن الرائد في ذلك كلّه قوله تعالى: “خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأَعرِض عَنِ الجاهِلينَ”، فلا يساوي أحدنا بين الصالحين من إخوانه وبين الجاهلين، ولا يجعل إخوانه بمنزلة الجاهلين، لنفور نفسي، أو لبعض العيوب في أفكارهم وأخلاقهم ومعاملتهم، وإنما يأخذ بالعفو، فالكمال غير موجود، والتخفّف من الحساسيّة،لا بدّ منه لاستدامة الأخوة،والاستفادة ، وللرضا والتوازن النفسي والاجتماعي، وللمصلحة العامّة كذلك.
*كاتب وباحث فلسطيني
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)