ياسر أبو هلالة*
أي شابٍّ عربي، يريد أن ينظر إلى المستقبل، أمامه مشهد مجلس الأمة، الذي يحضر إليه أمير الكويت، ويقسم كما أقسم أسلافه على خدمة الأمة، واحترام الدستور. انتقال سلس دستوري للسلطة، تحت الأضواء على الهواء مباشرة.
قبل ثلاث سنوات، مشهد آخر في الظلام، كما يوثّق كتاب “النفط والدم”. بعد منتصف الليل. يجلس ولي العهد السعودي، محمد بن نايف، معزولا عن العالم، وعن أدويته، ولا يدخل عليه،غير تركي آل الشيخ، وسعود القحطاني، يرغّبان ويهدّدان، وخلف الكاميرا، يشهر أحد أفراد كتيبة السيف الأجرب سلاحه في وجه ولي العهد، الذي يُلبسه تركي آل الشيخ عباءة المواطن المعزول، ويقبّل ولي العهد المعيّن رجله، تمويها على جمهورٍ لم ير شيئا، ولا هيئة البيعة التي قيل إن والده اتصل بها هاتفيا.
يحتاج الشباب العربي إلى حكم عصري، أساسه التعاقد الدستوري، الذي يحدّد هوية البلاد، وحقوق الحاكم والمحكوم، وآليات تبادل السلطة. المسألة ليست حاكما “شابا”، الحكم الديمقراطي يتّسع للشيوخ والشباب. كان شكري القوتلي، حاكما ديمقراطيا لسورية، وكبيرا في السن. وفي المقابل، تولّى بشّار الأسد السلطة في عمر 37 عاما، وهو متخلّف، وقاد بلاده خارج العصر.
شيوخ الكويت عصريون، عندما يقسمون أمام مجلس الأمة، ويحترمون الدستور. بعيدا عن العواطف، قدّمت الكويت النموذج الأفضل خليجيا في الحكم، ومن الأفضل على مستوى عربي، وهو النموذج الوحيد الصالح للمستقبل، وهو نموذجٌ تراكم من الأجداد إلى الأحفاد، حياة دستورية يحترم فيها الحاكم والمحكوم، ويعرف كلٌّ حقوقه وواجباته. يمارس المواطن حقه في التعبير والتنظيم، ناخبا ومنتخبا. ولا ينازع الأمير شرعيته، ولا تمسّ هيبته. بهذا النموذج، تجاوزت الكويت أكبر تحدٍّ تواجهه دولة. لم يتمكّن صدّام حسين، وهو يحتل البلد كلها من العثور على عميل واحد. في المقابل، وجد الأميركيون والإيرانيون عملاء لهم، عندما احتلوا العراق بسبب الحكم الديكتاتوري.
تواجه الكويت تحدّياتٍ كبيرة،والصورة ليست وردية، لكن الحياة الدستورية، تؤمّن أفضل الأدوات لمواجهة التحدّيات، توجد صحافة حرّة، ورأي عام، ومجلس نوّاب. ومقابل مساحة النقاش الواسعة، وتعدّد الآراء، توجد جهة قرار نافذة مجسّدة بالأمير. وتأتي قراراته مدعومةً بحوار وطني، وشرعية دستورية. في ذلك المشهد المظلم، لك أن تتخيّل أن وزير الدفاع السعودي إذّاك محمد بن سلمان، لم يشاور أحدا في عاصفة الحزم، حتى ولي العهد، وغادر البلاد بعدها إلى المالديف!
في الكويت، نظام أميري دستوري، يستوعب أبناء الكويت جميعا، على تنوّعهم السياسي، والمناطقي والقبلي، والمذهبي، ثمّة اعترافٌ بالجميع، والجميع يعترف بالنظام، هذا الاعتراف المتبادل تجده في اليساري والقومي والسلفي والإخواني والليبرالي والشيعي الحركي.. هؤلاء جميعا عندما غزا صدّام الكويت وقفوا ضده، ووقفوا مع أمير بلادهم وشرعيته.
لم تنغلق الكويت على نفسها بحكم ثروتها، خيرها عمّ على الجميع. إلى اليوم تتداول صور أمير الكويت صباح، وهو يفتتح تلفزيون دبي. لم تقصّر مع بلد عربي ولا إسلامي. أما في القضية الفلسطينية فعلاقتها تاريخية، منذ أرسل الحاج أمين الحسيني، أول بعثة تعليمية في الثلاثينيات. ولا أدلّ من انخراطها في القضية الفلسطينية، مثل ولادة حركتي فتح وحماس على أراضيها، وهي البلد الذي احتضن خالد مشعل وياسر عرفات.
لا يوجد بيت عربي، لم تدخله مجلة العربي، أو كتاب العربي، أو عالم المعرفة. لقد أنفقت الكويت من طيب نفس على تنوير العالم العربي، وعندما أسّست مجلة العربي، جاءت بالمثقف المصري أحمد زكي رئيسا للتحرير، وبعده أحمد بهاء الدين. معطوفا على ذلك إنفاق هائل على العمل الإنساني والخيري، من الدولة والمجتمع.
لا خوف على الكويت، التي واجهت تحدّيات أكبر، أمل كبير أن تسهم في تبديد مخاوف أمتها، من خلال المحافظة على نموذجها، وتجديده.
*كاتب وصحفي أردني.
*المصدر: العربي الجديد.
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)