تقارير و تحليلاتعام

هل تشقُّ عريضة المائة النهضة التونسية مثلما شقّت مذكرة “العشرة” الحركة الإسلامية السودانية؟!

الذين عايشوا وعاصروا تطوّرات الحركة الإسلامية في السودان، التي قادها الراحل د.حسن الترابي، لعدة عقود، التي كانت يُشهد لها بالإبداع والتطوّر، والتماسك،والمؤسّسية، يعرفون أن ما سُمّي بـ”مذكرة العشرة”، كانت الشرارة التي أشعلت “فتيل” الانقسام، والتي كان لها تداعيات كبيرة، أدّت إلى انقسام الحركة الإسلامية إلى حركتين، وإلى حزبين. أحدهما: الحزب الحاكم (حزب المؤتمر الوطني)، والآخر (حزب المؤتمر الشعبي).

تاريخ مذكرة العشرة، يعود إلى 1999/12/10، أي قبل 21، ووقّع عليها شخصيات مخضرمة من الحركة الإسلامية، وهم: 1- سيد الخطيب،2- غازي صلاح الدين،3- د. أحمد علي الإمام، 4- حامد تورين،5- العميد بكري حسن صالح، 6- إبراهيم أحمد عمر، 7- د.بهاء الدين حنفي، 8- مطرف صدين،9- د.نافع علي نافع، 10- عثمان خالد مضوّي.

هذه المذكرة، التي فاجأ بها الموقّعون، مجلس شورى الحركة الإسلامية، تضّمنت تقييماً لواقع الحركة الإسلامية، خلاصته: غياب المؤسّسية، وغياب الشورى، وهيمنة الأمين العام للحزب (الدكتور حسن الترابي). وقدّمت المذكرة مقترحات لمعالجة السلبيات والثغرات، التي مُلخّصها تقليص صلاحيات الترابي، لصالح البشير.

ولأن موضوع هذا التقدير، ليس الحديث عن خلفيات “المذكرة”، ولا تحليليها ولا تقييمها، وإنّما استلال العبرة منها، وهي أنه بدلاً من أن تسهم في “إصلاح” واقع الحركة الإسلامية في السودان، أدت إلى انقسامها وانشقاقها وتشظّيها، ولعلّ السبب الرئيس في ذلك يعود إلى أن “رأسي” الحركة، لم يتعاملا معها بحكمة، وأصرّا على موقفيهما..الترابي -رحمه الله-، الذي تطالب المذكّرة بتقليص صلاحياته، والبشير الذي تطالب المذّكرة، بزيارة صلاحياته!… ولم يعمل الطرفان بجديّة على الوصول إلى “تسوية”، يتجنّبان فيها الانقسام الذي وقع.

عريضة “النهضة” التونسية

إن هذا التقرير استدعى مذكرة “العشرة” السودانية، لتشابهها – مع الفارق- مع العريضة التي وقّع عليها، مائة شخصية من القيادات الأولى والوسطى في حركة “ألنهضة” التونسية، وحملت عنوان “مستقبل النهضة بين مخاطر التمديد وفرص التداول”.

العريضة التونسية، جاءت في ظل شيوع معلومات بدت مؤكّدة، تتحدّث أن هناك توجّهاً عند تيار موال لرئيس الحركة راشد الغنوشي، يعمل على تغيير الفصل (31)، من النظام الداخلي للحركة، الذي يُقيّد ولاية رئيس الحركة بما لا يزيد عن عهدتين متتاليتين 10 سنوات، خلال المؤتمر الحادي عشر للحركة، الذي يفترض انعقاده قبل نهاية عام 2020 الحالي، وقد قام خمسة من كبار الموّقعين على العريضة، بزيارة الغنّوشي في منزله، وتسليمه العريضة، التي تؤكّد على مبدأ التداول القيادي، واحترام الفصل (31)، وعدم اللجوء إلى تغييره.

رد حاد من الغنّوشي

بعد انصراف “مجموعة العريضة” من منزله، قرأ الغنوشي “العريضة” بدقة وتأمّل، فاستفزته استفزازاً شديداً، وبدلاً من التأنّي والتفكير مليّاً في كيفية التعامل مع العريضة كما هو هو معروف عنه، سارع إلى صياغة رسالة، استخدم فيها عبارات “حادة”، تتّسم بالتحدي، ويُفهم منها أنه ماض في ترتيبات الاستمرار في قيادة الحركة لولاية ثالثة جديدة. ولكن ردود الفعل السلبية، التي واجهتها الرسالة، حتى في أوساط المؤيّدين للغنّوشي، دفعته وعدد من القيادات المؤيّدين له، بالتزام الصمت، وعدم تبنّي الرسالة،التي نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقد تأكّدت (كواليس) من مصادر داخل الحركة “النهضة”، أن الغنّوشي هو الذي صاغ الرسالة، ولكن بعض المقرّبين منه نصحوه بعدم تبنّيها، وتجاهلها،وعدم إخضاعها للتداول الإعلامي، وهو ما حدث فعلاً.

تكتيكات مواجهة العريضة

“بعد أن ذهبت السَكْرَة، وجاءت الفكرة”، كما يقول المثل، بدأ الغنّوشي يفكَر بما عُرف عنه من حِنكة ودهاء، بالكيفية التي سيواجه فيها “العريضة”، والموقّعين عليها، فاهتدى إلى العمل “استعادة” بعض الشخصيات القيادية المخضرمة، التي استقالت من “النهضة”، وفي مقدّمتها أول رئيس للحكومة التونسية، بعد الثورة، والأمين العام السابق للحركة، المهندس حمادي الجبالي، الذي يريد الغنّوشي تعيينه أميناً عاماً للحركة، بدلاً زياد العذاري الذي استقال، وبقي منصبه شاغراً حتى الآن.

كما تمّت “استعادة” رياض الشعيبي، الذي استقال من الحركة، قبل سبع سنوات، وأسّست (حزب البناء الوطني)، الذي حلّه لاحقاً.

ومن المنتظر عودة آخرين، سيستعين الغنّوشي بهم في مواجهة معارضيه!

هل ينشق المعارضون للغنّوشي؟

يصرّ المعارضون للغنّوشي على رفضهم القاطع، للتجديد له لولاية ثالثة، وهم يقومون بعملية “تحييد” لإفشال تغيير الفصل (31)، الذي يتيح للغنّوشي، الاستمرار في قيادة الحركة. وقد لوّح القيادي والوزير السابق، سمير ديلو، بالخروج من حركة النهضة، وتأسيس حزب سياسي، عندما أجاب على سؤال عن موقفهم في حال تم انتخاب الغنّوشي لولاية ثالثة جديدة، فقال: ” يبدو أننا سنفعل مثلما فعل أحمد داوود أوغلو” في تركيا!

لذا، تبدو الأمور سستتجّه نحو “الانشقاق”، وهو ما سيشكّل “ضربة” كبرى لهذه الحركة، التي حافظت على تماسكها منذ نشأتها، وكانت تشهد “خروج” أشخاص منها، دون خروج منظّم منها، مثلما يمكن أن يحدث.

للإطلاع على العريضة ورسالة رد الغنوشي:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق