على الرغم من مرور أكثر من أربعين عاما، على القصيدة الشهيرة (الثور فرّ من الحظيرة)، التي نشأت بعدها أجيال لا تعرف مؤلّفها، ولا خلفية تدبيجه لها، فإن هذه القصيدة التي ألّفها الشاعر العراقي المُبدع “أحمد مطر”، تعود للانتشار مرّة جديدة، انتشار النار في الهشيم، ولكن هذه المرُة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي لم تكن موجودة، عندما أطلق الشاعر قصيدته، ولم تظهر ويتم استخدامها، إلاّ في العقدين الأخيرين. وقد أعاد المغرّدون والمدوّنون، نشر أبيات القصيدة، ليس للصورة البيانية الجمالية، التي رسمها شاعرها فحسب، ولكن لأنها حملت في ثنايها “نبوءة”، و”بصيرة”، أطلقها مطر قبل أربعة عقود، فترجمت على أرض الواقع الآن.
مناسبة القصيدة، أن الرئيس المصري الراحل، محمد أنور السادات، فاجأ العالم كلّه، بزيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة، في ١٩٧٧/١١/١٩م،ودخل في مفاوضات مع الكيان الصهيوني، أسفرت عن التوقيع على ماسمّي باتفاقيّات “كامب ديڤيد”، في١٩٧٨/٩/١٧م،وهو ما دعا قادة الدول العربية إلى عقد قمّة في بغداد، في١٩٧٨/١١/٢م،اتّخذت فيها قرارات حازمة وقويّةأبرزها، تجميد عضوية مصر في الجامعة العربية، ونقل مقرّ الأمانة العامة من القاهرة إلى تونس..
الشاعر مطر، شبّه السادات في قصيدته ب” الثور” الذي فرّ من الحظيرة، وشبّه الحكّام العرب ب” العجول”، الذين أزعجهم فِرار الثور من حظيرتهم ،فعقدوا مؤتمرا ومحكمة له، ونعتوا فراره بأسوأ النعوت، واتخذوا بحقه قرار التجميد، ولكن المفاجأة التي ختم بها مطر قصيدته، أنه بدلا من عودة الثور( السادات)، إلى الحظيرة، ذهبت وراءه الحظيرة ( الحكّام العرب )!
هذه القصيدة ذات الأبيات القصيرة والقليلة، تم استدعاؤها الآن، بعد أن بدأت بعض العجول (أي الحكّام العرب) في الحظيرة، تذهب وراء السادات، الذين رحل صريعا، في١٩٨١/١٠/٦م، أي بعد تسعة وثلاثين عاما على رحيله، بدأها العِجل الإماراتي” محمد بن زايد”، ولحقه العِجل البحريني “حمد بن عيسى آل خليفة”، ولاندري من سيكون العِجل الثالث في الحظيرة، الذي سيلحق بالعِجلين ؟!
الجدير بالذكر ،أن أحمد مطر، الذي يبلغ من العمر (٦٦) عاما، يعيش حاليا لاجئا سياسيا في لندن، بعد أن كان يعمل في جريدة (القبس) الكويتية،التي احتضنت في مطلع الثمانينيات أبرز مبدعين عربيين، الأول،أحمد مطر الشاعر العراقي ،الذي كانت تتصدّر “لافتته” الشعرية، الصفحة الأولي من ” القبس”،وأمُا الثاني، فهو الفنّان الفلسطيني، ناجي العلي، الذي كان ” الكاريكاتير ” الذي يرسمه، هو “مسك الختام” في الصفحة الأخيرة. وقد عانت الكويت من ضغوط سياسية من بعض “عجول الحظيرة”، التي ضاقت ذرعا بأبيات مطر الشعرية، ورسومات العلي الفنيّة،فتم إبعادهما إلى لندن، ليكملا مسيرتهما مع النسخة الدولية ل” القبس” من لندن، ولكن رصاصات كاتمة وغادرة، أنهت حياة العلي، في ١٩٧٨/٨/٢٩م، وأمّا مطر، فلم تقوَ “القبس الدولي” ،على تحمّل أبياته الشعرية، التي بقيت تثير غضب الكثير من “عجول الحظيرة” ، فخرج منها، وبقي يمارس إبداعه مستقلا عنها، وعن غيرها،لأن جهة محدّدة لن تستطيع تحمّل شعره!