بعد إسقاط حكومة إلياس الفخفاخ،و عودة زِمَام المبادرة إلى الرئيس التونسي قيس سعيّد،واختياره الشخصية الأقدر بحسب الدستور التونسي، وهي وزير الداخلية في حكومة الفخفاخ المستقيلة السيد هشام المشيشي .و بعد إعلان المشيشي، عن حكومة “كفاءات مستقلة” ،بعيدة كل البعد عن الأحزاب السياسية و الكتل البرلمانية، أي حكومة تكنوقراط، ما أدّى إلى انقسام الأحزاب السياسيةوالكتل البرلمانية إلى مجموعتين: مجموعة رفضت التشكيل، باعتباره انقلابا واضحا على نتائج الانتخابات التشريعية،ومنهم: حركة النهضة ، حزب قلب تونس، ائتلاف الكرامة ، التيار الديمقراطي ، و مجموعة أخرى أيّدت التشكيل، باعتبار أن الأحزاب السياسية أسهمت في ” تخريب” الحياة السياسية في تونس، و قضت تسعة أعوام،أ من عمر تونس في الصراع والمعارك الأيديولوجية ،و هم: حركة الشعب، الحزب الدستوري الحر، كتلة الإصلاح الوطني ، الكتلة الوطنية . وقد أعلن المشيشي عن تشكيلته الرسمية ،قبل أسبوع من جلسة منح الثقة ،و هي التشكيلةالتي زادت الطين بِلّة، بأشخاص مجهولين، ولهم توجّهات أيدولوجية معيّنة، ما عمّق الانقسام بين الأحزاب السياسية ، التي أجّلت اتّخاذ قرارها الرسمي ،بشأن منح الثقة من عدمها للحكومة، حتى ليلة الجلسة. وساهم الخلاف المفاجئ الذي وقع بين الرئيس سعيّد والمشيشي، بشأن التشكيلة الحكومية،في تفاقم الخلاف ،حتى فوجئ الجميع بدعوة الرئيس التونسي سعيّد إلى اجتماع عاجل ،ليلة جلسة التصويت على الثقة ، خصّ فيها أربعة أحزاب وهي : النهضة ،و التيار الديمقراطي ،و حركة الشعب، و تحيا تونس، و قد دعاهم في هذه الجلسة،إلى حجب الثقة عن حكومة المشيشي، متعهّدا بعدم حل البرلمان،واللجوء إلى تطبيق الفصل (١٠٠ )من الدستور التونسي ، المتعلّق بحالة الشغور ،و اختيار شخصية أخرى ،متوافق عليها من الأحزاب ،و لكن سرعان ما انكشف خيط اللعبة التي يسعى إليها سعيّد ،بدعم من الثورة المضادة و الدولة العميقة ،والتي تهدف إلى مايلي: إسقاط حكومة المشيشي بالبرلمان ،ثم استمرار حكومة الفخفاخ ،حتى إجراء انتخابات جديدة ،ثم حل البرلمان، بحسب الدستور التونسي ،ثم عدم إجراء انتخابات تشريعية ،بحجة وباء الكورونا،ويصبح الرئيس سعيّد هو رئيس السلطة التشريعية،ويقوم بإصدار مراسيم تعرض على الحكومة المستقيلة، و بهذه الخطة ينقلب سعيّد انقلابا “ناعما”، على الثورة و الدستور. وفي ضوء إدراك حركة النهضة وحلفائها، لمخطّط سعيّد، قرّرت ” قلب الطاولة” على سعيّد، بمنح الثقة لحكومة المشيشي لإجهاض ” مؤامرة” سعيّد،.و هو ما حدث فعليًا، في ساعات الفج الأولى لهدا اليوم ( الأربعاء)بعد جلسة برلمانية ” ماراثونيّة”، استغرقت نحو ١٣ ساعة من النقاش والحوار، نالت حكومة المشيشي في ختامها،الثقة ب ١٣٤ صوتا ،مقابل ٦٧. افضا، إذ صوّتت لصالحها: حركة النهضة،وقلب تونس ،وكتلة المستقبل ،و (٦ )من أعضاء ائتلاف الكرامة، وبعض المستقلين.
وهكذا أدارت النهضة، بقيادة حكيمها راشد الغنّوشي وحلفائها، المشهد السياسي، بذكاء ودهاء، واجهضوا” مؤامرة ” جديدة، تحرّكها ” الثورة المضادة “، بقيادة الإمارات، بتواطؤ من قوى تونسيّة محليّة، وتغطية من سعيّد، الذي تقاطعت مصالحه معهم .