وائل قنديل
بمعيار نظام الإمارات وتوابعه من الذين يعيشون نشوة الهبوط على سطح كوكب التطبيع، فإن غير المطبّعين، هم الشر المطلق والتخلّف الكامل، والرجعية الشاملة، وبجملة واحدة: أعداء الحضارة والإنسانية.
وبالنظر إلى صخب مهرجان “السياحة والتصهين” المفتوح على مصراعيه، في دبي، وأبو ظبي،وسائر المدن الإماراتية، بما يشمله من لقطاتٍ وفقراتٍ ساخنة، لا يتوانى صانعوها في استعمال كل عناصر الإثارة التجارية، الملفوفة في الأعلام الإسرائيلية، فإنه لن يمرّ وقت طويل، لتفاجئنا أبو ظبي بنشر قوائم سوداء للمطبعيّن مع فلسطين، ممن يردّدون أن فلسطين عربية، وأن الوجود الصهيوني فيها هو احتلال بالقوة الغاشمة، أن من حق أي شعب محتل في العالم أن يقاوم الاحتلال ويسعى إلى التحرّر.
لن يصدمنا حكام أبو طبي،إذا ما منعوا غير المطبّعين من دخول الإمارات، واعتقلوا كل من تسوّل له نفسه الاقتراب من مطاراتها، وأعلنوها حربًا لا هوادة فيها على كل من يفسد أجواء العلاقة الحميمية مع الصهيوني ،الذي يستطيع أن يمرح في دبي ،على الرحب والسعة، بل ويمنع من يشاء من إزعاجه في بلده الثاني على شاطئ الخليج.
قبل شهور معدودة،كانت هناك نكتة تحلّق في سماء فانتازيا المشهد السياسي العربي، مضمونها أن بعض العرب المندفعين بحرارة لعناق الكيان الصهيوني، وتحديدًا السعودية والإمارات والبحرين، اتفقوا على إصدار بيانٍ يندّد بممارسات الشعب الفلسطيني، ضد العدوان الإسرائيلي عليه. في تلك الأثناء، كان بنيامين نتنياهو يعلن، بكل ثقةٍ، عن اقتراب رحلات الحج من الكيان الصهيوني إلى المطارات السعودية، مبشّرًا بأن الإسرائيليين سيحلّقون في سماء السعودية قريبًا، وهو ما تحقّق الآن فعليًا بمرور الطيران الصهيوني من الأجواء السعودية في طريقه إلى أبو ظبي.
الآن تبدو كل النكات منتهى السخف، كونها محاكاة مباشرة لواقع متحقّق بالفعل،بل ويتجاوز في سخريته سقف النكتة،حين ترى نساء من الإمارات يتنافسن في ارتداء ملابس وأقنعة وجه ،تحمل العلم الإسرائيلي، أو حين تجد أطفالًا يغنّون أناشيد من أجل إسرائيل،أو عندما تجد نفسك عدوًا لهم، لأنّك ما زلت تقول إن فلسطين عربية وللفلسطينيين، وتتعاطف مع الحقوق المشروعة لشعبها في إنهاء الاحتلال.
في هذا الطقس المسمّم، لا بأس من تذكير الشعب الفلسطيني، بما وصفتها سابقًا بمجموعة الأوهام التي يتعيّن عليه التخلّص منها، وعلى رأسها وهم اعتقاده ،بأن ثمّة نظامًا عربيًا، يمكن أن يكون منحازًا له في كفاحه المشروع،أو حتى يقف على الحياد بنزاهة، بينه وبين العدو، إذ لم يعد يخفى على أحد أن هذه الأنظمة،ترى أن ارتباطًا وجوديًا يجمعها بإسرائيل، وأنها باتت تنظر إلى القضية الفلسطينية، نظرة إسحاق رابين إلى غزة قبل عقود، حين كان يحلم بطلوع نهار تكون غزة فيه قد اختفت من الخريطة وابتلعها البحر.
على الشعب الفلسطيني أن يسلك الآن،وكأنه في العام 1948،عقب النكبة الأولى، ويبدأ في صياغه مشروعه الجديد للتحرّر، مستبعدًا فرضية وجود نظام رسمي عربي، يمكن أن يكون داعمًا لقضيته على أي وجه، فما نحن بصدده أكثر كارثيةً من كل النكبات السابقة، إذ لم يعد النظام العربي يخجل من تبنّي المشروع الصهيوني، بديلًا لمشروع التحرّر الفلسطيني، بل صار لا يمانع في الاصطفاف من أجل ردع الشعب الفلسطيني، ومنعه بالقوة من تعكير العلاقة الدافئة بين الحكومات، أو بالأحرى القبائل المنضمّة حديثًا إلى فيلق التطبيع، وبين الاحتلال الصهيوني، الذي لم تعد تراه احتلالًا، وإنما صديقًا وشريكًا وحليفًا، ترقص له النساء، ويغنّي له الأطفال بأمر زعيم القبيلة.
عما قريب ،سيعدّ حكام أبو ظبي والرياض والقاهرة والمنامة، قوائم سوداء بالمتعاطفين مع العدو الفلسطيني الشرير، الذي يضايق الاحتلال الإسرائيلي الطيّب.
المصدر: العربي الجديد