أواب المصري
صورة لعشرات المسعفات،في الهيئة الصحية الإسلامية (التابعة لحزب الله)يقمن بإجراءات فحوص الكورونا في مطار بيروت،أثارت زوبعة من الاستهجانوالانتقاد.مشكلة الثائرين،أن مشهد المتطوّعات المحجّبات، لا تعكس صورة لبنان الحضارية،فصدحت أصواتهم تندّدبما اعتبروه هيمنة حزب الله على مطار بيروت، وانطلقت على وسائل التواصل الاجتماعي، حملة تتّهم الحزب بتحويل مطار “رفيق الحريري الدولي” ،إلى مطار طهران.كل ذلك فقط، لأن وزارة الصحة، استعانت بممرّضات متطوّعات محجّبات، للمساعدة في إجراء الفحوصات للمسافرين القادمين عبر المطار.
في اليوم التالي،انتشر خبر انسحاب رئيس كتلة حزب الله النيابية، النائب محمد رعد ،من الغداء الذي أقيم في القصر الجمهوري، على شرف الرئيس الفرنسي، الذي يزور لبنان،بسبب وجود زجاجات من النبيذ على المائدة.أثار الخبر موجة مشابهة من الاستهجان والانتقاد، وهذه المرّة من السخرية أيضاً.
يمكن فَهم استياء النُخب العلمانية واليسارية واللادينية، من ظهور محجبات في مطار بيروت، وأيضاً من انسحاب نائب،بسبب وجود زجاجة خمر على المائدة،فهذه الشريحة من اللبنانيين، اعتادت كراهية كل ما يرتبط بالدين (الإسلامي تحديداً)، ،وهم بذلوا جهوداً كبيرة على مدى العقود الماضية، لتكريس صورة نمطية في السياسة والإعلام والسياحة، تقوم على أن لبنان بلد الانفتاح، والانحلال، والبُعد عن الدين.فبالنسبة لهؤلاء، ليس مسموحاً للالتزام الإسلامي، أن يوجد في أي من مناحي الحياة العامة اللبنانية،ومازال هذا الحُرُم سارياً حتى اليوم، رغم التقدم الذي حصل.
الخلاف والخصومة مع حزب الله شيء، والسَمْت الإسلامي الذي يلتزم به الحزب شيء آخر. فإذا كانت هناك مشكلة مع أداء وأفعال ونهج حزب الله، فمن الخطير أن تمتد هذه المشكلة إلى سَمْت الحزب الإسلامي
فإرخاء اللحية مازال ممنوعاً، على عناصر الأجهزة الأمنية، ،والحجاب محظور على الراغبات بدخول سلك القضاء،حتى المسابح العامة ،يتم منع المحجبات من دخولها، ويُنظر لكل ملتزم على أنّه متشدّد متزمّت، ،وهي صورة نمطية يُفاخر بها أصحابها.كل هذا مفهوم،لكن من غير المفهوم مطلقاً، أن يكون من جملة المستائين والمنتقدين والساخرين من وجود المحجبات في المطار ،ومقاطعة مائدة الخمر في القصر الجمهوري، ملتزمون يؤمنون بأن مجالسة الخمر كبيرة من الكبائر، وأن الحجاب فرض على النساء ،يجب احترامه وتقديره لا الإساءة إليه والسخرية منه.
لكن يبدو أن اللبس لدى هؤلاء، يتعلّق بخصومتهم مع حزب الله، بسبب تدخلاته وأخطائه وعثراته، وهو ما جعلهم في خصومة، مع كل سَمْت إسلامي. فعِوض أن يكون الملتزمون، أوّل المتضامنين والمدافعين مع المحجبات في مطار بيروت، والمؤيّدين لانسحاب نائب بسبب وجود الخمر، انضموا إلى جوقة المنتقدين والمستائين، فقط لأن حزب الله هو من قام بذلك.
شريحة واسعة من اللبنانيين، لديها خلافات كثيرة وكبيرة ومبدئية وأساسية مع حزب الله، خاصة أنه يواصل الإيغال في مساندة نظام يقتل شعبه في سوريا، ويساند قوى وميليشيات طائفية في أكثر من قطر عربي، ،لكن هذا الاختلاف،لا يجب أن يُنكر حقيقة، أن الحزب هو الذي اقتحم الحياة العامة في لبنان بالتزامه الإسلامي، ،وفرض احترام هذا الالتزام على الآخرين، ،ليس بسبب تسامح الآخرين، وسعة صدرهم، بل بسبب قوة الحزب ونفوذه في الحياة اللبنانية،فاليوم لم يعد مُستهجناً أن تكون المحجبة مذيعة على الشاشة ،أو مراسلة ميدانية، ،ولم يعد مستغرباً إرخاء اللحية دون اتهام صاحبها بالتزمّت، ولم يعد يستدعي الدهشة ،وفتح الفم، حين يتم الاكتفاء بوضع اليد على الصدر تجنّباً لمصافحة الجنس الآخر، كلها أمور كان لحزب الله، فضل تكريسها في الحياة العامة، وفرض احترامها على اللبنانيين. ويُسجل لحزب الله، أنه -دون أن يقصد- سلّط الضوء على شريحة من اللبنانيين، يرفضون الصورة النمطية السائدة عن اللبنانيين واللبنانيات،ولا ينتمون إليها.
الخلاف والخصومة مع حزب الله شيء، والسَمْت الإسلامي الذي يلتزم به الحزب شيء آخر،فإذا كانت هناك مشكلة مع أداء وأفعال ونهج حزب الله،فمن الخطير أن تمتد هذه المشكلة، إلى سَمْت الحزب الإسلامي،الذي لا يعني حزب الله،بل يعني جميع المسلمين.
المصدر: الجزيرة نت