أسامة أبوارشيد*
أعلم أن الحياة السياسية في الأردن، تعرف كبتاً بحجم الكبت الاقتصادي، إن لم يكن أكثر .
لست من منظُري تجميل المشهد،من أجل التجميل لذاته،ولكني لا أقنع بلغة القطعيات،والمفاصلات، والأبيض والأسود.
فتحت عيناي ذات صباح ،على سلسلة من البوستات،لأخ وصديق لي أحبّه كثيراً ،وأعزٌه، وأقدّر فكره وعطاءه، فوجدت هجوماً قاسياً على كتلة الإصلاح النيابية في الأردن، وغمزاً من قناتها وإنجازاتها، ودعوة لمقاطعة الانتخابات النيابية القادمة.…كان انطباعي الأولي، أن ثمَّة شططاً في أحكامه، مع احترامي لحقه في التعبير عن رأيه،واحترامي لما يراه رأياً سياسياً سديداً. وأضيف أن التباينات في الأحكام السياسية فضاءها واسع. وقطعاً، لا يفسد خلاف في الرأي للود قضية.
لذلك سأدلي برأي أوّلي، لا يرقى أن يكون حكماُ ولا تنظيراً في المسألة، فلست مستعداً للأمر، ولم أدرسه بعد،ولم أفكر في أبعاده جميعها، ولم أطّلع على كل حيثياته.
أولاً، أنا مع مشاركة القوى السياسية ،كمبدأ في السياق الأردني، وأن المقاطعة استثناء. هذا ليس لأنّي مغيُب عن الواقع السياسي في الأردن، وسقوفه المتدنية، وإنّما لأن القوى السياسية يفترض فيها المشاركة ،ومحاولة رفع السقف من داخل المنظومة.لا يوجد في الأردن في هذه المرحلة، من يتحدّث عن مغالبة منظومة العمل السياسي من خارجها، ومن ثم فلا بد من إطار للعمل،مهما كان ضيّقا.
ثانياً، قد تقدّر القوى السياسية،أن العمل من خارج البرلمان أجدى، ولكن هذا لا يفترض برنامجاً سياسياً، وخارطة طريق فحسب، بل لابد أيضاً من توافق تيارات عدة على ذلك، ووجود إرادة ومزاج شعبي لفترة من “عض الأصابع”، بما يتضمّنه ذلك من تصعيد متوقّع من الطرف الآخر. أما لجوء تيار وحيداً إلى الشارع، في ظل غياب ذلك الشارع، فهو قرار قد يصل حد تحجيم الذات.
ثالثاً، في حالة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي تحديداً، فإن مقاطعة الانتخابات، قد تكون بمثابة انتحار سياسي، فرأس التيار الإسلامي مطلوب في الإقليم كله،وفي ظل غياب فاعلية الشارع وزخمه،فإن الإسلاميين قد يكونون عرضة للسحق أو البطش.قد يقول قائل،ولكن استهدافه سيستمر حتى في ظل المشاركة، وهو قائم أصلا.ردّي، الاستهداف غير البطش والسحق.
رابعاً، قرار أي تيار سياسي بالمشاركة، لا يعني ضماناً لمستويات التصويت الشعبي.
خامساً، المشاركة قد تكون رمزية وبعدد محدود من المقاعد.
سادساً، إذا قرّر تيار سياسي المشاركة، فله حساباته وتقديراته، لمصلحته والمصلحة العامة، والأمر ليس محصوراً، بالضرورة، بتوهّم إمكانية التغيير.
سابعاً، في حالة كتلة الإصلاح،من الظلم الكبير تحميلها فشل منظومة سياسية بأكملها، وتدنّي سقف العمل النيابي أردنياً، بل أزعم أن الكتلة قدّمت نماذج ترفع الرأس وطنياً، وأبانت عن كفاءات واعدة، من هؤلاء،الدكتورة ديمة طهبوب،وهناك، طبعاً، المخضرم الدكتور عبد الله العكايلة، وهؤلاء مثالين فحسب أتيح لي متابعتهما أحياناً،وليس على سبيل الحصر.وأنا متأكّد أن في الجبهة كفاءات سياسية أخرى واعدة، ينبغي أن تقدّم ويتاح لها المجال للتدرب والصقل.
أتحدّث عن الكفاءات السياسية،وليس كفاءات الفتق والرتق،والكولسات التنظيمية، والمحسوبيات والشللياتوالمحاصصات، ولا عن محترفي الكلام، وبيع الشعارات والأوهام، والتخندق وراء الشعبويات. وأشدّد على هذه النقطة.
أخيراً، إذا قدّر تيار سياسي ما ،ضمن حسابات واضحة ومقنعة، المشاركة وحدودها ونطاقها، فليس من المنطق أن لا تعمل قواعده قدر الإمكان على إنجاحها. هذا يتطلّب حوارا مفتوحاً مع قواعد تلك التيارات،وتوضيحاً للأسباب والخلفيات، لا التعامل معها بأسلوب “الفرمانات”، وأننا نعلم ما لا تعلمون، ونفهم ما لا تفهمون، فضلاً عن تجنّب المحسوبيات التنظيمية في الترشيح والتقديم.
هذه ملاحظات أوّلية، لا أزعم الإحاطة فيها،وأكتبها على هاتفي.وما أريد أن أقوله، إن الأمر يحتاج تروّيا لا تسرّعا في إطلاق الأحكام، ويحتاج إلى دراسة السياقات، وحدود الإمكان والممكن، وماذا سيترتب على قرار المشاركة من عدمه، وتداعيات كل قرار، وهل شروط نجاحه متوفرة أم لا؟!
قرار المقاطعة بالتحديد، يتطلّب تقديراً دقيقاً وعميقاً،لمستوى استعداد الشارع لتقديم العمق المطلوب، ولحجم الضغط الإقليمي على الداخل.أما مستوى المشاركة وطبيعتها في الأردن، ضمن النسق الحالي، فيٰقدّران في سياق اتقاء معركة كسر عظم، معروف من سيدفع ثمنها ضمن موازين القوى القائمة.
لم أتعمّق في قراءة المشهد،ولم أتواصل مع أي طرف،بحيث تتكون عندي صورة أوضح تعينني، شخصياً، على ترجيح الخيار الأقل ضرراً في هذه المرحلة،ولكن عندي مؤشّرات. ومرة أخرى، من حيث المبدأ، أنا ضد افتعال أي تيار سياسي مستهدف لمعارك لا يقدر على حسمها، ولا هو مستعد لتحمّل تبعاتها.
لذلك كله، أقول، أعطوا وقتاً لقراءة المشهد بكل أبعاده، وبشكل عميق، ودعوكم من إطلاق أحكام مسبقة يمنة ويسرة. وفي حالة كتلة الإصلاح، حذار من تحميلهم كل شوائب الحياة السياسة في الأردن وفشل البرلمان،وحذار من وضع كل نوّاب الكتلة في كفة واحدة من حيث الكفاءة.
*كاتب وباحث سياسي