مقالات

ائتلاف الكرامة.. القوّة الصاعدة!

نصرالدين السويلمي

يمكن القول،إنّ ائتلاف الكرامة،هو الكيان السياسي الوحيد،الذي نشأ بعد انتخابات “التأسيسي”على أفكاره الخاصّة،واعتمد على سواعد أبنائه وبناته ، لينتزع مكانه في مشهد سياسي صاخب، يموج بالصراعات،ويشهد حركةنزوح حثيثة،كما تتخلّله طفرة في الأفول والبزوغ.. في هذا المشهد المتوتّر ،الذي انتصبت في بهوه “هبرة” مغرية، اسمها “النّهضة”،اعتمدت كلّ الأجسام الجديدة الوافدة ،إلى ساحة المنافسة على نتف ونتش هذا الحزب،من أجل لفت الأنظار إليها، حتى الأحزاب الثوريّة،أوالمحسوبةعلى ثورة “سبعطاش”ديسمّبر ،أغرتها طفرة النداء،وهبّة مشروع تونس ،و”زعڨاڨة” الدستوري الحرّ،فتحوّلت عن التقرّب إلى الثورة ،وتوقّفت عن نحت أجسامها من وهج ديسمّبر، و انخرطت في مضغ اللحم النّهضاوي، كنوع من القات اليمني، تنتعش به وتنعش أجسامها، في سعي محموم لجلب شرائح إجتماعيّة معادية للنّهضة ،بحكم التباين الثقافي ،أو بحكم القصف الإعلامي المركّز على الحركة ،طوال عقد من الزمن، أضف إليه عقودا أخرى من القصف في عهد بورقيبة وبن علي.
لا نبالغ إذا قلنا،إنّ الكيان السياسي الوحيد، الذي لم يتغذَ على خطاب النّهضوفوبيا ،هو ائتلاف الكرامة! من غير ذلك ،كلّهم استعملوا هذه الفزّاعة بأقدار متفاوتة، لم ينشب الائتلاف مخالبه ،ولا هو ملّس خاصرته من لحم النّهضة ومحنها، وذلك لسببين، أولهما أنّ جلّ رموزه تلتقي مع الحركة في الولاء للثورة وللهويّة، ثانيا ،لأنّ الائتلاف فحص أسمدة الأحزاب والكيانات التي انهارت بسرعة ،فوجد في التحليل الجيني للأجرام الفانية ،ما يدل على أنّ اللحم النّهضاوي ،تسبّب في التعجيل بفنائها، لأنّه وجبة شهيّة لكنّها مسمومة تنعش على المدى القريب ،وتبيد على المدى الطويل.…تلك عوامل دفعت الائتلاف إلى بناء رصيده من بريق الشخصيّات، التي تآلفت على حزمة من المضامين ،ثمّ تشكّلت على فكرة جامعة تدور حول الثورة والهويّة، وملاحقة الفساد بعيدا عن الطرق الاستعراضيّة، أو التكسّب المخجل المسيّس.
*هل سيحافظ الائتلاف على بريقه؟
بل ربّما سيتجاوز الائتلاف سقف المحافظة على زخمه ،ويمرّ إلى المرحلة الثانية، ليصبح ثاني حزب في الساحة ،يستوفي كرّاس الشروط بعد النّهضة، ولا شكّ أنّ مفهوم الحزب ،يعتمد على التعمير والحاضنة الوفيّة، والوجود الدائم في مختلف المحطّات ،وإنتاج التصوّرات من مشاغل المجتمع ،وليس من مناكفة الحزب الناجح ،أو الحزب الخصم ،أو الحزب المتباين، لكن وقبل ذلك وحتى يدرك ذلك، على الائتلاف أن يحسّن من سلالته، ويخصّب شروطا أخرى للبقاء ،بعد أن تهدأ وتتعقّل جرعة الحماس المركّزة ،التي حملته إلى واجهة الساحة السياسيّة، ولتثبيت أركانه، ليس أفضل من الفهم الواعي للساحة السياسيّة ومكوّناتها ،ثمّ والأهمّ حسن إدارة الأفكار داخل الجسم، والسعي إلى إيجاد لافتة ائتلافيّة جامعة تمسّك أفكار المجموعة الفاعلة ،أو نواة التأسيس وتصهرها في رؤية مقنعة مرنة تحترف النجاح ،أكثر من احتراف الصدام، وتبني بالعقل أكثر ممّا تبني بالشجاعة ،وتمسك بقوّة على القناعات الكبرى، وترخي للتفاصيل أقصى ما يمكن، والحذر كلّ الحذر من الحَرفيّة التي قد يخالها البعض حِرفيّة، ففي الحَرفيّة، يسكن شيطان الفرقة ،ويعشّش إبليس التصلّب، وفي الحِرفية تتحول الهواية التائهة الى حرفة متقنة.
رغم الضغط العالي، تمكّن الائتلاف بسرعة من تجاوز خصومه ،الذين ينافسونه على الكتلة الثوريّة داخل المجتمع، أو يدّعون ذلك، والذين أشاعوا أنّ الائتلاف ليس إلّا أحد أركان النّهضة ،وأمطروه بتهم التبعيّة والتذيّل، تلك كانت محاولة لإحراجه وسحبه بعيدا عن التوافق البرلماني مع النّهضة ومن ثمّ دفعه الى مناوشة الحركة،حتى يقدّم لهم الدليل، بأنّه في خلاف وربّما في صدام معها، وذاك هو المطلوب من جميع الأحزاب الوافدة ،كي تتحصّل على ختم الحداثة ،ويتمّ إلحاقها بنادي التقدّميّة، لكن يبدو أنّ شخصيّة الائتلاف،وخاصّة قياداته، كانت أقوى من تلك الهرسلة،وحافظت على قناعتها الأولى، التي تعتمد كسب الساحة وليس كسر الخصم الذي يكسب الساحة. *ماذا عن وحدة الكيان؟ تعرّض الائتلاف إلى هزّة في مقتبل العمر، حين غادر راشد الخياري،وميلاد بن دالي ،وفاكر الشويخي، حينها استبشر خصوم الائتلاف وترقّبوا، سلسلة من الاستقالات، ستجهز على الفكرة الناشئة، لكن الكيان الناشئ صمد وتجاوز لحظة العسرة، ثمّ جاءت استقالة الشيخ رضا الجوادي،واعتقد البعض أنّ استقالة الجوادي ستُتبع باستقالة الدكتور العفّاس، ولم تحدث الاستقالة، وظلّ العفّاس في كتلته، لكن يبدو أنّ الائتلاف وسّع من دائرة الخصوصيّات ،ومنح العفّاس مساحة خاصّة، كثيرا ما ظهرت في خطاباته، التي لاحت أحاديّة غير منسجمة ،مع العقل الائتلافي الجامع، ولعلّ تلك بداية موفقة لينسج هذا الكيان ثقافة جديدة للتعايش مع الداخل الائتلافي الميّال الى خصوصياته “العفّاس نموذجا” ومع الكتل والأحزاب الأخرى، أين غادر سيف ورفاقه مربّع التقوقع، وانخرطوا في صناعة السياسة! ولا شكّ أنّ الكيان الناجح هو الذي يحاور ويجالس الكلّ دون أن يؤثّر ذلك على رأس الأمر، والأكيد أنّ رأس أمر هذه البلاد هو انتقالها وثورتها.
*رموز الائتلاف
يعدّ سيف الدّين مخلوف واجهة ناجحة للائتلاف، فعلى صغر سنّه ،كانت له خصلة قبل الثورة وخلالها، ثمّ تقدّم بحماس لقيادة ائتلاف الحماس، وثّم نجح في عقلنة توجّهاته، ولم يترقّب الأحزاب الكبرى المرنة مثل النّهضة ،كي تذهب لتتوسّط له ،أو تفتح له حوارا هنا وهناك ،نتيجة ما يعتريه من خجل ثوري، أو حرج طوباوي، وإنّما بادر بالتواصل مع الجميع إلّا المشيمة ،التي يستوجب لمسها الطهارة الكبرى.. ولا شكّ إلى جانب سيف ،برزت خامات أخرى في الائتلاف ،على غرار :يسري الدالي ،والصحبي سمارة، وماهر زيد، وزياد الهاشمي ،وحليمة الهمامي، وغيرهم، لكن دعونا نقف مع أحد العناصر الكبيرة والخطيرة في الكيان السياسي الصاعد والمثير، دعونا نلامس شخصيّة المنْجم السياسي عبد اللطيف العلوي،هذا الرجل المتميّز، الذي يعتمد السهل الممتنع، والذي يملك شخصيّة قويّة في غير ترهيب ،وذكيّة في غير خبث، لكن وإلى جانب ذلك ،لديه “ميزة خطيرة”، فالرجل رغم بصماته القويّة في الساحة، ما زالت لم تخالطه “اللهفة” الإيجابيّة! ومردّ التوجّس من عبد اللطيف ،إنّه شبعان بشكل مخيف، إلى درجة يمكنه أن “يبيعها بلفتة” وينسحب ،ليعود إلى عالم الشعر والأدب، يبدع الرجل في السياسية، لكن لا يبدو أنه تجاوز التزاور بينه وبين المشهد ،ولم ينته بعد الى التزاوج، وحتى يظلّ العلوي، أحد أركان الائتلاف وساريته ولسانه المصقول، عليه أن يُنمّي ملكات الطموح بداخله، ذلك الطموح الكسول،لا بأس من إنعاشه ،ليصل إلى مستوى لا إفراط ولا تفريط.
*الائتلاف والمرأة
تبقى مشكلة الائتلاف ،كما مشكلة جلّ أو كلّ الأحزاب! …المرأة هذا الغائب البارز، أو الحاضر الخامل ،الضئيل، غير المفعّل، تلك مشكلة قد يستصغرها الكثير في المنظور القريب، لكنّها مضرّة في المنظور المتوسط ،قاتلة في المنظور الطويل، فلا بد من الغوص بعيدا في المياه الإقليميّة للائتلاف،ومن ثمّ التنقيب عن العنصر النسائي،وكمرحلة أولى، يكفي إلحاق ثلاث أو أربع إناث بالواجهة،ولاحقا عندما يشتد عود الائتلاف ،ويوسّع من دائرة التنقيب،قد يصل إلى منسوب 320 مليار متر أنوثة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق