قد تكون من المرّات النادرة، التي يحتار فيها المراقبون، في أسباب تكتّم “حزب الله”، عن حادثة يفترض أنها تطال عمقه الأمني ، ومؤسسات الدولة التي تعد “الحديقة الخلفية”، والواجهة الرسمية والحكومية لأعماله “المخفية” عن أنظار الكثيرين، ويفترض أنها “خفية” أيضاً عن وكالات الاستخبارات العالمية. فحزب الله، يحاول حتى الآن، الاختباء خلف الرواية الرسمية، التي تبدو أقل كلفة سياسياً وأمنياً وداخلياً، فإعلان مسؤولية الكيان الصهيوني عنها، وتحميله وزر ما جرى، سيقوده حتماً إلى التهديد برد عسكري جديد، وإلى خطوة شعبوية خاسرة، تحديداً إذا لم ينفّذ تهديده كما جرت العادة، وسينضم إلى العديد من التهديدات بالثأر، التي لم تتحقّق منذ اغتيال عماد مغنية إلى عنصره الأخير المغمور محسن كامل. وعلى الرغم من ذلك، فإن صمت حزب الله على ما جرى، وسيره خلف الرواية الرسمية الهزيلة، التي تتحدّث عن أن شرارة “تلحيم” فجّرت 2750 طناً من نيترات الأمونيوم، ليس منطقياً. فخسائر حزب الله، تتعدّى هذه المرة، فقدان أحد قادته، أو شحنة أسحلة، فالكيان الصهيوني قام، بإزالة مرفأ حيوي يستخدمه الإيرانيونة، لتزويد النظام السوري والحزب بما يلزم من أسلحة ومؤن ونفط وأدوية، ويساعدهما على الصمود أمام العقوبات الأميركية القاسية. كما أن الانفجار يفاقم من الأزمات الاقتصادية والنقدية والمالية المتصاعدة، التي تواجه الحكومة اللبنانية منذ الربع الأخير لعام 2019، خصوصاً أن مرفأ بيروت، يعدّ أكبر نقطة شحن وتخليص بحرية في لبنان، وتمرّ من خلاله قرابة 70% من حركة التجارة الصادرة والواردة من وإلى البلاد. ولذلك، فحزب الله هذه المرّة، يواجه خيارين أحلاهما مرُ، إمّا أن يواصل صمته، ويواجه تبعات الكارثة الاقتصادية والمالية التي تنتظر لبنان، والتي قد تجلب معها أزمات سياسية وغلياناً شعبياً، أو أن يعلن بصراحة ما جرى، وهذه قد تذهب في لبنان إلى حرب مع الكيان الصهيوني، سيتكرّر فيها مشهد مرفأ بيروت مراراً وتكراراً. ولكن يبدو أن حزب الله، لا يفكر بهذه الطريقة، ولا يلقي بالاً كبيراً للأزمات الاقتصادية، أو حتى لفكرة الذهاب لمواجهة مع العدو، وما يهمه في هذه اللحظة، هو التنصّل من تهمة تخزين نيترات الأمونيوم، في مكان حيوي واقتصادي مثل مرفأ بيروت. والدليل على ذلك، أن الأمين لحزب الله، السيد حسن نصر الله، خرج يوم الجمعة، وشنّ هجوماً مضاداً، مصوّباً سهامه على الإعلام المحلي والعربي،+ متّهماً إياه بالعمل على غرس فتيل الحرب الأهلية، والتجنّي “الظالم” على الحزب. وفي خطابه الطويل، تجنّب الإشارة من قريب أو بعيد إلى أسباب الانفجار، أو حتى التلميح باحتمال وجود اعتداء خارجي، وترك للرئيس اللبناني، ميشال عون، هذه المهمة، حتى لا يلزم نفسه بالحديث عن أي رد عسكري. وحتى المتابع لموقف المواقع والصحف المقرّبة من حزب الله، سيلاحظ أنها تجاهلت احتمال وجود اعتداء خارجي، وحاولت التركيز على فكرة وجود إهمال إداري، بل إن بعضها بدأ يحتفل بما يسميه فك الحصار الأميركي عن لبنان ! ويبدو حال الحزب اليوم، أقرب إلى المثل الشهير: “صمت دهراً، ونطقاً كفراً”، فالحزب بدل أن يعترف بحقيقة ما جرى، اختار طريق الهجوم على الآخرين، والاحتفال بانتصارات وهمية، قد لا يملك في الأيام القريبة ترف الإدعاء بها.
مقالات ذات صلة
شاهد أيضاً
إغلاق -
عاجل : وفاة أمير الكويت وحالة استنفار في البلاد
29 سبتمبر، 2020