عاش سكان المناطق الجنوبية في لبنان ،الثلاثاء الماضي، ليلة عصيبة على وقع إطلاق جيش الاحتلال الإسرائيلي، عشرات القنابل المضيئة والحارقة، فوق أودية قرى عدة ممتدة على الشريط الحدودي.
ووفق شهادات بعض السكان، أقدم الجيش الإسرائيلي على إطلاق عشرات القنابل المضيئة في سماء المنطقة، إضافة إلى قنابل حارقة في بعض الأودية الضيّقة، التي تعدّ نقاط ضعف لجيش العدو، على مستوى المراقبة. وقد طال القصف أودية في عيتا الشعب، وعيترون، وبين ميس الجبل وحولا، وفي منطقتي شبعا وكفرشوبا، حيث اشتبه جيش العدو بأعمال أمنية فيها.
ومع عودة الهدوء الحذر، إلى الحدود بين لبنان والكيان الصهيوني صباحاً، خرج حزب الله عن صمته في بيان خجول، اكتفى فيه باستعراض الخروقات الإسرائيلية، دون أن يتطرقّ لرواية جيش الاحتلال.
و على الرغم من ذلك، فقد بات واضحاً بأن ما يجري بين فترة وأخرى في الجنوب، ليس أمراً عابراً أو هامشياً، إذ لا يمكن أن يكون التوتر الذي شهدته الحدود منتصف ليلة الثلاثاء، قادماً من الفراغ، كما يحاول حزب الله أن يوحي بذلك.
فقبل نحو شهر، عندما وقعت حادثة كفرشوبا، وادّعى الاحتلال إفشاله عملية لحزب الله، أصدر الحزب بياناً، وأعلن أن لا علاقة له بما يجري، تركّزت التحليلات والمعطيات، حول أن الحزب كان يريد تنفيذ عملية، و لكن الاحتلال اكتشفها وأفشلها.
وربّما يكون ما حصل بالأمس، أمراً مشابهاً، أوربّما يكون مختلفاً عن ذلك. خصوصاً في ظل التضارب في المعلومات، التي وردت إثر حصول التوتر، سواء لجهة اكتشاف فتحة في السياج، أو إطلاق نار على مركز أو دورية إسرائيلية.
لكن ما بات ثابتاً ومؤكّداً، أن ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب، هو أكثر من مجرد إفشال عملية، إذ وفق رواية حزب الله، فقد قام جيش الاحتلال بإطلاق أكثر من مئتي قذيفة فوسفورية ومضيئة على مدن الجنوب.
وقد أدّى العدوان الإسرائيلي، إلى حرق عدد من الأحراش الشجرية، وكاد أن يودي بعائلة كاملة في بلدة عيترون، حيث سقطت فذيفتان فوسفوريتان، لم تنفجرا على سطح منزل.
هذه المعطيات، تؤكّد أن نتنياهو، يريد استغلال الوضع الحالي سياسياً وعسكرياً وداخلياً ، خصوصاً مع الإعلان عن وجود رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الشمال، عند وقوع الحادثة. فعلى الأرجح، سيستثمر نتنياهو إلى حدّ بعيد هذه الحادثة، لتوظيفها في الداخل الإسرائيلي. وهو الذي يواجه تظاهرات احتجاجية كثيرة. كما أنه، سيحاول استغلال هذه الأحداث والتوترات للاستفادة منها عسكرياً، عبر حرق الأحراش، وإيجاد معادلات جديدة مع حزب الله، كما أن هذه الحادثة، تأتي قبل أيام من موعد تجديد ولاية قوات (اليونيفيل) في الجنوب اللبناني، وسط ضغوط مكثّفة من قبل أميركا وإسرائيل، لتوسيع صلاحيات هذه القوات.
أما حزب الله، فإنه ما يزال صامتاً، إزاء ما يجري،وهذا الكتمان يفيد الحزب على مستويات عدّة. من خلال إظهار نفسه كمبادر من دون إدّعاء المبادرة. الأمر الذي ينعكس تعبوياً في بيئته وبين جمهوره.
من الناحية المعنوية أيضاً، يدّعي الحزب أن لا علاقة له بما جرى، ويعمل على تسويق أن الإسرائيلي، يشتبك مع نفسه، نتيجة الخوف والاحتساب والترقّب، بينما المناصرون للحزب يتوجّهون إلى الشريط الحدودي لمشاهدة على ما يجري.
ويعدّ هذا جزءً من المعركة التعبوية والحرب النفسية، التي يحرص الحزب على إظهار نفسه متفوّقاً فيها، انطلاقاً من القاعدة التي أرساها أمينه العام، وهي وقوف الإسرائيلي على “رجل ونص”.
لكن لعبة “الصمت”، التي يمارسها الحزب، ليست لعبة اختيارية كما يحاول الحزب أن يوحي لجمهوره، فحزب الله في نهاية الأمر، لا يملك شيئاً ليقوله، فإذا كان ما يجري نتيجة محاولة تنفيذ عمليات، كما تدّعي (إسرائيل)، فهذا يعني فشل حزب الله حتى بالرد.
وإذا كان ما يجري، هو عدوان إسرائيلي محض دون سبب، فهذا يعني أن حزب الله لم يفشل فقط في الرد على مقتل أحد عناصره، بل سمح لـ “إسرائيل” بالدخول إلى البوابة اللبنانية، لتنفيذ مزيد من الاعتداءات والإهانات.
زر الذهاب إلى الأعلى