تحوّلت حالة الفرحة الشديدة، التي شعر بها التونسيون، غداة انتخاب قيس سعيّد، رئيساً للجمهورية، قبل عشرة أشهر، لحالة من القلق والخيبة، بعدما أثبت خلال الفترة الماضية، أنه لم يكن سوى مجرد ظاهرة صوتية فارغة.
بالتأكيد، لم يكن أحد ينتظر من الرئيس صاحب الشعبية الواسعة، داخل تونس وخارجها، أن يمسك عصا سحرية، ويترجم خطاباته الرناّنة، ووعوده الطنّانة، على أرض الواقع، خلال هذه الفترة القصيرة، ولكن أشدّ المنتقدين للرئيس الجديد، لم يكن يتوقّع أن سعيّد، الذي تم انتخابه بصفته ممثّلا للثورة، سوف ينقلب على شعاراته بهذه السرعة، ويتحوّل إلى أداة لتحطيم الثورة من الداخل.
فالرئيس صاحب النَفَس الثوري، يرفض حتى اللحظة التوقيع على القانون، الذي أقرّه البرلمان بتجرّيم نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وما زال يحفتظ بمشروع القانون بأدراج مكتبه منذ أكثر من ستة شهور، دون أن يوضّح موقفه منه.
كما أن سعيّد، قام للمرة الثانية على التوالي، بتجاهل مقترحات الأحزاب التونسية، حول منصب رئيس الحكومة،وتكليف شخصيات مقرّبة منه، ضاربا عُرض الحائط بنتائج الانتخابات، التي تعدّ المعبّر عن إرادة الشعب، متذرّعا بأن الأحزاب لديها مصالح ضيّقة.
بل إن سعيّد لا يكلّ ولا يملّ، من توجيه الخطابات والإشارات، التي تقلّل من أهمية العمل السياسي، وتبخّس من وجود الأحزاب السياسية، ويفاخر دائما بأنه لم ينتم قط في حياته لحزب سياسي.
مواقف سعيّد السلبية، لم تتوقف على الشأن الدخلي، وامتدت إلى مواقفه الخارجية، التي بدت مناقضة تماماً للشعارات، التي أطلقها حين كان مرشّحا، إذ أثارت زيارته الخارجية الأولى إلى فرنسا، جدلاً لم يتوقّف حتى اللحظة، فعلى النقيض تماما من تصريحاته المعادية لفرنسا، حين كان مرشّحا، تحدّث سعيّد بإسهاب عن “الصداقة الأزلية” التي تربط بين الشعبين، بل إنه تبرّأ في خطابه، ممن عرضوا لائحة الاعتذار الفرنسي، زاعماً أن تونس لم تكن تحت الاحتلال الفرنسي، بل كانت تحت حمايته !
ويبدو أن زيارة سعيّد لفرنسا، فتحت شهيته، للانقلاب على المواقف الثورية، التي أدلى بها حين كان مرشّحا، حيث صدم الرئيس التونسي مؤيّديه مرّة أخرى، حين وصف شرعية حكومة “الوفاق” الليبية، بأنها مؤقتة، داعياً القبائل إلى كتابة دستور جديد !!
“توبة” سعيّد عن مواقفه التي أطلقها، حين كان مرشّحا، تواصلت عقب زيارة فرنسا، حين قام بحرمان أرملة الشهيد محمد الزواري من الجنسية التونسية، على الرغم من استيفائها كل الشروط المطلوبة،
فقد قام الرئيس بتوقيع أمر رئاسي، يقضي بمنح (135) شخصاً الجنسية التونسية، بينهم 34 فلسطينياً، مستثنياً أرملة الزواري، التي كان زوجها عضوا في كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة “حماس”.
وعلى الرغم من أن سعيّد، اشتهر بمواقفه المؤيّدة للقضية الفلسطينية والرافضة للتطبيع، لكنه مارس صمتاً مريباً عقب انتخابه، حيث لم يذكر القضية الفلسطينية في أي خطاب، وهو صمت تواصل حتى بعد إعلان الإمارات تطبيع علاقتها مع “إسرائيل”.
وبعد أيام من الصمت المتواصل ،إزاء خطوة الإمارات، أجبرت الانتقادات الرئيس التونسي على الخروج من حالة الصمت، مطلقاً تصريحات خجولة ،مفادها أن تونس لا تتدخّل في اختيارات الدول،
وهو موقف مناقض تماماً لتصريحاته الجريئة أثناء الحملة الانتخابية، التي اعتبر فيها التطبيع خيانة، وأن تونس في حالة حرب مع إسرائيل !
ويبدو أن سعيّد، الذي ذاع صيته بعد الثورة التونسية، من خلال مداخلاته التلفزيونية، واعتاد التأكيد أنه لا يبيع “الأحلام”، بدأت حقيقته تنكشف، وبدأ يصدق فيه قول الشاعر : “كان صرحا من خيال فهوى” ! … وكل الخوف أن يأخذ الثورة التونسية معه إلى الهاوية !
زر الذهاب إلى الأعلى