مرّت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، منذ الانقلاب “الغاشم” في مصر، الذي قاده عبد الفتاح السيسي في 3 تموز (يوليو) 2013م، بست سنوات عجاف، كانت أعوام (2014-2015-2016) فيها، هي الأصعب والأقسى في تاريخ الجماعة في الأردن، ذلك أن النظام الأردني، الذي “قاوم” الضغوط الخارجية، لحظر الجماعة في الأردن، وتصنيفها ضمن قوائم “الإرهاب”، قرّر “الالتفاف” على هذه الضغوط، عن طريق تشجيع “التيار المتمرّد” في الجماعة حينذاك، الذي كان يقوده عبد المجيد ذنيبات، للانشقاق عن الجماعة، ومنحهم رخصة جديدة باسم “جمعية جماعة الإخوان المسلمين”، واعتبار الرخصة القديمة منتهية، ما يعني أن “الجماعة الأصلية” أو “الجماعة الأم”، لم تعد تملك شرعية قانونية.
وقد ترتّب على ذلك، حدوث أكبر انشقاق جماعي، في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، ودعم السلطات الرسمية، إنشاء حزبين سياسيين مرخّصين للمتمرّدين عن الجماعة: “حزب المؤتمر الوطني – زمزم”، وحزب “الشراكة والإنقاذ”، لتصبح الأحزاب السياسية، التي خرج مؤسّسوها من “رحم الإخوان”، ثلاثة أحزاب، إضافة لـــ “حزب الوسط”، الذي تم ترخيصة في وقت مبكر، عام 2001م.
ولم تكتف السلطات الرسمية الأردنية بذلك، بل أرسلت “تهديدات” واضحة إلى قيادة الجماعة –غير المرخّصة -، تطالبها بعدم إجراء الانتخابات الجديدة، التي كان يفترض عقدها في نيسان (أبريل) 2016م، مما أحدث ارتباكا في صفوف قيادات الجماعة بين مُصّـرٍ على عقدها، وبين مطالب بتأجيلها.
وبعد جدل وحوارات، قرّرت قيادة الجماعة التي كان يقودها د.همام سعيد، إجراء الانتخابات، وهو ما جرى في حزيران (يونيو) 2016م، أي بعد شهرين فقط، من انتهاء ولايته.
مفاجأة اختيار عبد الحميد الذنيبات مراقباّ عاماً
في أجواء غير مسبوقة من التوتّر في العلاقة بين النظام والجماعة، عقد مجلس الشورى الجديد اجتماعه الأول، يوم السبت 2016/6/11م، وانتخب مراقباً عاماً جديداً بالتزكية، مثّل مفاجأة كبرى لجميع الأطراف داخل الجماعة وخارجها، لأنه لم يسبق له شغل أي موقع قيادي في الجماعة قبل ذلك، ولم يكن اسمه متداولا في “العملية التفاوضية” بين تيارات الجماعة!
ولكن المراقبين والمختصين بالشأن الإخواني، وصفوا الاختيار حينذاك، بــ “ضربة معلّم”، للأسباب التالية:
* أن ذنيبات كان مصنّفا فكرياً وتنظيمياً على التيار المنشق عن الجماعة.
* هو من عائلة قائد التيار “المنشق”، المحامي عبد المجيد ذنيببات، أي أن الإخوان جاءوا بــ “عبد الحميد” في مواجهة قريبه “عبد المجيد”!
* أنه يمثّل المكوّن “شرق الأردني”، بعد دورتين تنظيميتين، قادهما شخصية من “المكوّن الفلسطيني”، وهي خطوة ذكية، هدفت إلى “قطع الطريق” على “الحرب الدعائية”، باتّهام الجماعة بأنّها تمثّل المكوّن الفلسطيني، وتعمل على استبعاد المكوّن “شرق الأردني”.
مكتب تنفيذي تعدّدي
وجاءت الخطوة الثانية، التي اتّسمت بــ “الذكاء” متمثّلة في اختيار مكتب تنفيذي تعدّدي، يمثّل التيارات الأساسية داخل الجماعة (الحمائم/ الوسط/ الصقور)، مع “تخفيف” جرعة الصقور، التي كانت أعلى في الدورة السابقة لها، وجاء التشكيل على النحو التالي:
(4) من الحمائم (عزام الهنيدي “نائباً للمراقب العام”/ د.شاكر الخوادة/ د.رامي ملحم)، إلى جانب “المراقب العام” طبعاً.
(4) من الوسط (معاذ الخوالدة/ م. عارف حمدان / د.محمد الشحاحدة/ م.بادي الرفايعة).
(1) من الصقور (زياد الميتاني).
وفي محاولة ذكية، لتخفيف حدّة هذه الخطوة، تم الإعلان عن انتخاب “اللجنة المؤقّتة لإدارة جماعة الإخوان المسلمين” لمدة عام، وهو مصطلح جديد، يختلف عن المصطلح الحقيقي الذي يتم استخدامه عادة، وهو “المكتب التنفيذي”.
وبعد مرور عام (2017م)، تمّت العودة إلى مصطلح “المكتب التنفيذي”، وأجريت تعديلات بإدخال ثلاثة أعضاء جدّد، بدلاء عن: (د.شاكر الخوالدة/ د. محمد الشحاحدة / م.بادي الرفايعة)، وهم: (جميل أبو بكر، د. محمد قطيشات، د. رامي عياصرة).
الحفاظ على تماسك الجماعة المنجز الأكبر لــ ذنيبات
وبتقييم ولاية م.عبد الحميد الذنيبات الأولى، يمكن القول: إن أهم إنجاز تم تحقيقه، هو الحفاظ على تماسك الجماعة، بعد الهزّة الكبيرة، التي واجهتها خلال عام 2015م، في ظل الأنواء والعواصف، التي شهدتها المنطقة، خصوصاً، بعد انتصار محور “الثورات المضادة”، المعادي لجماعة الإخوان المسلمين، في مصر وبعض الدول العربية الأخرى.
جائحة كورونا ومؤسّسية الجماعة
في الوقت الذي كان فيه، م.عبد الحميد الذنيبات، ومكتبه القيادي، يتأهّبون لإجراء الانتخابات الجديدة، خلال شهر نيسان (أبريل) 2020م، وهو موعد انتهاء ولايتهم، داهمت الأردن، جائحة “كورونا”، التي أغلقت البلاد نحو شهرين، ما دعاهم إلى تأجيل الانتخابات لحين إنفراج الأمور.
وعلى الرغم من وجود أصوات، كانت تطالب بتمديد ولاية ذنيبات ومكتبه القيادي مدة عام إضافي، ولكن ذنيبات ومكتبه، أصرّوا على إجراء الانتخابات، تأكيداً على مؤسّسية الجماعة.
نجاح في إجراء انتخابات 2020م
تقرّر إجراء انتخابات مجلس شورى الجماعة، لجميع شعب الجماعة، البالغ عددها (41) شعبة، في جميع المحافظات والمدن الأردنية، وتم إجراؤها بسريّة، وبعيدا عن الأضواء (تموز/ يوليو 2020م).
وقد جاءت نتائج الانتخابات، ممثّلة للتيارات الثلاثة، بنسب متقاربة، مع وجود تيّار “مستقل”، يتوزّع في قربه لهذه التيارات. في ضوء ذلك، أدركت التيارات الثلاثة، أنه لا يمكن لأي منها، حسم نتائج “المحطّات القيادية” وحدها، ونعني بذلك: (المراقب العام/ رئيس ومكتب مجلس الشورى/ المكتب التنفيذي/ الأعضاء السبعة المكمّلين لمجلس الشورى). لذا باشرت التيارات الثلاثة، عملية “تفاوضية”، أصبحت عُرفا في الجماعة، منذ ثلاثة عقود.
وقاد هذه العملية: زكي بني ارشيد (ممثّلا لتيار الوسط)، المحامي حكمت الرواشدة (ممثّلا لتيار الحمائم)، د. غازي الدويك (ممثّلا لتيار الصقور).
وقد كانت المحطّة الأولى في التفاوض، هي موقع “المراقب العام”، إذ تبنّى “الحمائم” التجديد لولاية ثانية، للمراقب العام م. عبد الحميد ذنيبات، في حين تحفّظ الصقور، على ترشيح ذنيبات، وطرحوا البحث عن أي شخصية أخرى، يتم التوافق عليها، ولكن تيار “الوسط” حسم الأمر بقبول ترشيح “ذنيبات”، للأسباب التالية:
1. أن الأصل، هو منح أي مراقب عام، فرصة لولاية ثانية، باعتبار أن القانون يحدّد ولايتين متتاليتين بحد أقصى، لأي مراقب عام، ما لم يكن المراقب نفسه، لا يريد الترشّح للولاية الثانية، أو أن هناك ملاحظات “تقدح” –بناء على التجربة- به.
2. ردّ الجميل لــ “عبد الحميد ذنيبات”، لقيادته الجماعة في مرحلة حسّاسة وصعبة، مرّت بها الجماعة، وحفاظه على تماسكها، والعبور بها وسط الأنواء والعواصف، التي أحاطت بالأردن والمنطقة.
3. يعدّ شخصية مقبولة عند النظام، وليست مستفزة له، باعتباره محسوبا على تيار “الحمائم”.
ولكن هذه الاعتبارات، لم تقنع تيار الصقور، الذي طرح شخصيتين: م. وائل السقا (نقيب سابق للمهندسين)، وم. عبد الله عبيدات (نقيب سابق للمهندسين كذلك)، استقر بعدها على ترشيح عبيدات، بعد اعتذار السقا.
وقد أدّى الاختلاف على اسم المراقب العام، إلى عدم الاتفاق على أسماء المرشّحين للمحطات القيادية الأخرى.
وذهبت التيارات الثلاثة، إلى مجلس الشورى الأول في هذه الدورة، باتفاق كامل بين تياري الحمائم والوسط، وانفراد تيار الصقور، الذي عوّل فيما يبدو، على وعود “المستقلين” له.
نجاح تحالف الحمائم والوسط
* كانت المحطة الأولى في اجتماع مجلس الشورى، هي انتخاب سبعة أعضاء مكمّلين لعضوية المجلس، وقد حصدت قائمة “التحالف” المقاعد السبعة كاملة، وهو ما أعطى مؤشّرا لحيازة التحالف على الأغلبية الواسعة.
* وجاءت المحطة الثانية، لانتخاب رئيس مجلس الشورى، فكانت المفاجأة أن م. سعد الجيّوسي (صقور)، رشّح جميل أبو بكر، ولم يرشّح أحد آخر أي اسم، فانتُخب أبو بكر (حمائم) رئيسا.
* وقبل انتخاب أعضاء مكتب مجلس الشورى، حاول “التحالف” تشجيع الصقور على ترشيح نائب منهم، فاعتذروا، فتم انتخاب د. أيمن أبو الرب بالتزكية (وسط)، نائبا لرئيس المجلس، وتمّ استكمال انتخاب بقية أعضاء مكتب المجلس.
* أمّا المحطة الأهم، فكانت انتخاب “المراقب العام”، والتي شهدت مفاجأة كبيرة، وهي ترشيح م. بادي رفايعة (مستقل متحالف مع الصقور)، للمهندس عبد الحميد ذنيبات، الذي كان قد عزل رفايعة من عضوية المكتب، بعد عام واحد، في الدورة التنظيمية السابقة، في المقابل لم يرشّح أحد المهندس (عبد الله عبيدات)، الذي أعلن فورا في ضوء ذلك، أنه لن يترشّح لمنصب المراقب العام!
* بعد انتخاب عبد الحميد ذنيبات، مراقبا عاما بالتزكية، طلب من المجلس إعطاءه مهلة أسبوعين، لترشيح أعضاء المكتب التنفيذي العشرة، باعتبار أن المراقب العام يُنسّب الأعضاء لمجلس الشورى، الذي يصوّت عليهم واحدا واحدا، ومن يحصل على الأغلبية النسبية، يتم اعتماده عضوا في المكتب التنفيذي.
حرص شديد على مشاركة الصقور في المكتب التنفيذي
بعد انتهاء الجلسة الأولى، باشرت التيارات الثلاث، عملية تفاوضية جديدة، وكان التوجّه لدى تحالف (الحمائم والوسط)، بضرورة مشاركة الصقور في المكتب التنفيذي، واتفق على إعطائهم ثلاثة مقاعد، وأن يكون من بينها، النائب الثاني للمراقب العام. وتمّت الموافقة على ثلاثة أسماء، من ضمن الأسماء العشرة، التي طرحها (الصقور)، وهم: د. غازي دويك (نائبا ثانيا للمراقب العام)، د. هيثم عبد الغفور، رياض السنيد.
ولكن الصقور، أبلغوا المراقب العام، أنهم يشترطون أن يكون د. عبد الغفور أمينا للسر، وهو ما رفضه المراقب العام، باعتبار أن أمين السر، ينبغي أن يكون متفاهما ومنسجما مع المراقب. وهنا، اعتذر “الصقور” عن المشاركة في المكتب. ولكن مع هذا الاعتذار، فقد تواصل المراقب العام مع رياض السنيد، عارضا عليه أن ينضم لعضوية المكتب، وإسناد مسؤولية دائرة الشباب والطلاب له، كما عرض على د. سائد الضمور (مستقل محسوب على الصقور)، عضوية المكتب كذلك، وقد وافق الإثنان.
لذا جاءت صورة المكتب “ملوّنة” وتعدّدية، على الرغم من عدم المشاركة “الرسمية” لتيار الصقور.
إيجابيات سجّلتها الجماعة
لقد سجّلت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، بإجرائها الانتخابات الداخلية، النقاط الإيجابية التالية:
1. التأكيد على المؤسّسية، على الرغم من صعوبة الظروف المحيطة داخليا وخارجيا، والتي تعطيها العذر بتأجيل الانتخابات، سواء بسبب “جائحة كورونا”، أو بسبب أزمة المعلّمين التي عادت للتفجّر مرّة ثانية.
2. القدرة العملية على إجراء جميع المحطّات الانتخابية الانتخابات خلال فترة قصيرة زمنيا.
3. النزاهة والشفافية في العملية الانتخابية بجميع مراحلها.
4. الحرص على عدم الإقصاء، وتمثيل تيارات الجماعة الثلاث، والوجود المحدود لتيار الصقور في المكتب التنفيذي ومكتب مجلس الشورى، سببه تمسّك الصقور بشروطهم، التي رأى فيها “التحالف” تشدّدا لا داعي له.
ينطلق هذا التقرير التحليلي، من قراءة موضوعية، لا ترويجية أو دعائية، لجماعة تمثّل التنظيم الشعبي الأكبر والأكثر نفوذا في الأردن، ويأخذ بعين الاعتبار الظروف الموضوعية والذاتية، التي تحيط بالجماعة، داخليا وخارجيا. وهو ما يؤكّد على ضرورة التعامل مع الجماعة، كرقم صعب، له حضوره وتأثيره ولا يمكن تجاهله، وتجاوزه، أو الاتجاه نحو الصدام معه.
ولعلّ الحملة الإعلامية، التي تم شنّها من قِبَل وسائل إعلامية، محسوبة على النظام، باتّهام الجماعة، أنها وراء “تحريك” مجلس نقابة المعلّمين، سواء صحت أم لم تصح، تؤكّد على وزن الجماعة، وتأثيرها، وثقلها، وهو ما ترجمه وزير الداخلية سلامة حماد (الرجل القوي في حكومة الرزاز)، باللقاء مع قيادات ورموز الجماعة، عدّة مرّات، خلال أقل من شهر، شملت: عبد الحميد ذنيبات، حمزة منصور، زكي بني ارشيد، فضلا عن رئيس كتلة الإصلاح النيابية، الدكتور عبد الله العكايلة، سعيا للوصول إلى حلول لأزمة مجلس نقابة المعلّمين.