ياسر أبو هلالة
يدعو الطغاة العرب ربّهم، آناء الليل وأطراف النهار، من أجل التجديد للرئيس الأميركي دونالد ترمب في الانتخابات المزمعة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، فمن الواضح، وبحسب مقاله في مجلة فورين أفيرز، سيكرّر المرشح الديمقراطي جو بايدن، لو فاز رئيسا، سيرة الرئيسين السابقين بوش الابن وأوباما، في الضغط عليهم من أجل الإصلاحات الديمقراطية،وسينتهي شهر عسل عبد الفتاح السيسي الذي وصفه ترامب بـ”الدكتاتور المفضّل”، وحال باقي الدكتاتوريين لن يكون أفضل.
قبل بايدن وأوباما، كانت المرّة الأولى التي شهد فيها العالم العربي ضغطا أميركيا جدّيا من أجل الإصلاحات الديمقراطية في عهد بوش الابن. وأوضح ما تجلّى ذلك في خطابه الذي كتبه فؤاد عجمي، الأكاديمي المرموق،وأحد منظّري المحافظين الجدد،وخلاصته إن أميركا ضحّت بالديمقراطية من أجل الأمن، فخسرت الاثنين. وكان الخطاب نتيجة دراسة جادّة لتفجيرات “11 سبتمبر”/ أيلول (2001). كان القاسم المشترك للانتحاريين، من جنسيات سعودية وإماراتية ومصرية، إنهم لم يشاركوا في حياتهم في انتخابات عامة، ولم يعرفوا سبل التغيير عبر صناديق الاقتراع، حتى اللبناني الوحيد بينهم كان ابن الحرب الأهلية، وقمع الوجود السوري في لبنان. العقدة الوحيدة التي واجهت المحافظين الجدد، هي السلام مع إسرائيل، اعتقدوا أن الديمقراطية ستجعل العرب ينضمّون إلى النادي الديمقراطي، وجزء منه إسرائيل، متناسين حقيقة أنها دولة احتلال وعنصرية.
تمكّن الطغاة العرب من الالتفاف على ضغوط بوش، بقبولها شكليا، وإجراء إصلاحات وانتخابات شكلية، ثم المماطلة وتفريغها من محتواها. وجاء فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وما تلاه من “حسم عسكري” ليعطي مصداقيةً لنظرية الطغاة إن الديمقراطية تهدّد الاستقرار والسلام مع إسرائيل، مع إنه لم يتحقق لا مع أنظمة ديمقراطية، ولا مع أنظمة عسكرية.
لم يمارس أوباما في بداية عهده ضغوطا على الحكّام العرب، وسياسته ظلت واقعية، خصوصا بعد فشل نظرية المحافظين الجدد في العراق، فالديمقراطية كرّست الطائفية، ومكّنت للوجود الإيراني، و تواطأ هو مع ذلك، وعندما فازت القائمة العراقية غير الطائفية تواطأ مع إيران وجدّد لنوري المالكي، على الرغم من إنه لم يفز بالأكثرية، وخذل إياد علاوي الذي سبق له أن عمل مع وكالة الاستخبارات الأميركية لإسقاط صدّام حسين، وفازت كتلته بالأكثرية.
بعد الربيع العربي، مارس أوباما ضغوطا جدّية على جميع الدول العربية، بما فيها الإمارات، التي نقل لها الجنرال بترايوس، وكان مديرا لوكالة الاستخبارات الأميركية، رسالة واضحة من أوباما بضرورة إجراء إصلاحات ديمقرطية،لكن الثورة المضادّة انتصرت، في النهاية، بانقلاب السيسي على الرئيس المنتخب، محمد مرسي، وجاء اغتيال السفير الأميركي في ليبيا قشّة قصمت ظهر الضغوط الأميركية، بحيث بدا أن الديمقراطية تأتي بإرهابيين. وهو ما كشف مبكّرا التحالف الموضوعي بين الثورة المضادّة والإرهاب.
في حال فاز بايدن، كما هو متوقع، فإنه سينفّذ ما جاء في مقاله “لكن الديمقراطية ليست مجرّد أساس المجتمع الأميركي. إنها منبع قوتنا. إنها تقوّي قيادتنا ،وتعظّمها للحفاظ على السلم العالمي. إنها محرّك براعتنا التي تدفع ازدهارنا الاقتصادي. إنها جوهر هويتنا، وكيف نرى العالم وكيف يرانا العالم، يسمح لنا بتصحيح الذات ومواصلة السعي للوصول إلى مُثلنا العليا”. وأضاف “زملائي القادة الديمقراطيين في جميع أنحاء العالم لإعادة تعزيز الديمقراطية إلى جدول الأعمال العالمي. اليوم، تتعرّض الديمقراطية لضغوط أكبر من أي وقت منذ الثلاثينيات. ذكرت فريدوم هاوس أنه من بين 41 دولة تم تصنيفها على أنها (حرّة) من عام 1985 إلى 2005، سجّلت 22 دولة انخفاضاً صافياً في الحرية على مدار السنوات الخمس الماضية”.
من هونغ كونغ إلى السودان، ومن تشيلي إلى لبنان، يذكّرنا المواطنون، مرّة أخرى، بالتوق المشترك إلى الحكم الصادق، والبغض العالمي للفساد، الذي وصفه بأنه “وباء خبيث، يؤجّج القمع، ويقوّض كرامة الإنسان، ويزوّد القادة الاستبداديين بأداة قوية لتقسيم الديمقراطيات وإضعافها في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، عندما تتطلع ديمقراطيات العالم إلى الولايات المتحدة، للدفاع عن القيم التي توحّد البلاد،لقيادة العالم الحر حقًا، يبدو أن ترامب ينتمي إلى الفريق الآخر، ويأخذ كلام المستبدّين بينما يظهر ازدراء الديمقراطيين، من خلال ترؤسه أكثر الإدارات فسادًا في التاريخ الأميركي الحديث، فقد منح الرخصة.
المصدر: العربي الجديد