معن بشور
تجمعك رحلة العمر الطويلة بأشخاص متنوّعين، منهم من تلتقي معه في الفكر والسياسة، وتعمل إلى جانبه في ساحات النضال ، ومنهم من تجمعك به رؤى وقضايا، وتختلف معه في مواقف وشجون….وإذا كان من الطبيعي ،أن نتذكّر بحميمية، لاسيّما في لحظات الفراق، النوع الأول، من الرفاق، فمن الضروري األا تنسى، وبود واحترام، في لحظة الفراق أيضا، النوع الثاني من الأصدقاء…
من الصنف الثاني ،كان الدكتور عصام العريان ،القيادي الإسلامي البارز، وأحد مؤسّسي المؤتمر القومي / الإسلامي عام 1994، وأحد المشاركين في إعداد المشروع النهضوي العربي، الذي لا أنكر خلافي معه ،بعد عام 2011 في أسلوب تعاطيه وإخوانه مع القضية المصرية، ومع القضية السورية، وقضايا أخرى،وقد شهد مكتب حزب العدالة والحرية في القاهرة في أوائل حزيران/ يونيو 2013 ،نقاشاً صريحاً بيننا، شارك فيه رهط من قادة العمل القومي والإسلامي، من أقطار عربية عدة، كانوا يحضرون دورة المؤتمر القومي العربي الثالثة والعشرين ،والتي كان يحضرها الدكتور العريان نفسه ،رغم ما تخلّلها من خطب حادّةفي جلسة الأفتتاح ،لمعارضين مصريين ،لحكم الرئيس الراحل محمد مرسي…
لكنني أيضاً، لا أستطيع أن أنكر في لحظة رحيل هذا الصديق المميّز، أنه كان على خلق عالٍ، وود مقيم، وتفاعل راق ،مع كل من حوله، مهما بلغت حدة الخلاف السياسي بينهم.
كما انني أيضاً ،لا أستطيع إلاّ أن أسجّل للرجل حماسته، منذ أوائل تسعينات القرن الفائت، لفكرة تلاقي التيارين القومي والاسلامي ،داخل مصر وخارجها إدراكا منه، ومنا، أن التحديات الضخمة، التي تواجهها أمتنا ،تحتاج إلى تضافر كل الجهود ،وتوحيد كل الطاقات، وما من تيار أو جماعة أوحزب ،يستطيع بمفرده أن يواجه كل هذه التحديات….
ولا أستطيع أن أنسى حماسته ،لكل شأن يتّصل بفلسطين، ومناهضة التطبيع، وهو عنصر التلاقي الرئيسي بيننا، كما لا أنسى موقفه وإخوانه من حرب تموز / آب 2006 على لبنان وإعلان المرشد الراحل محمد مهدي عاكف ،رحمه الله، عن استعدادهم لإرسال عشرة الاف متطوع ،للقتال مع حزب الله، فيما كانت الجماهير ترفع صور ناصر ونصر الله ،في باحة الأزهر الشريف.
ورغم إدراكي ان هذه الشهادة ،ربما تزعج كثيرين من أعز الأخوة لي، فالجراح بين ” الأخوان المسلمين” والقوى الناصرية والقومية كبيرة، وتزداد اتساعا، لكن هذا لا يجوز أن يحول دون قولي كلمة حق في رجل يغادر هذه الدنيا، لينال حسابه عند رب العالمين…
لقد أخترت في بداية عمل القومي، في المدرسة ،ثم الجامعة ،ثم الحياة العامة ،أن أكون جسراً بين أبناء الأمة ،لإدراكي أن للمتاريس في معاركنا الداخلية أهلها ،وأنا لست مؤهّلا لها، فلي متراس واحد، هو ضد العدو الصهيوني وداعميه، وما زلت أعتقد، إنه رغم كل ما بيننا من خلافات، و وما يتفجّر حولنا من صراعات، هناك لحظة ندرك فيها حاجتنا إلى جمع الصفوف ،وتجاوز الجراح ،وتوحيد الطاقات، فلا نحاكم سوى من تلوّثت يداه بدماء شعبه، وتورّط بحروف ضد وطنه، وندير حواراً صريحاً مع من نختلف معه في الرأي والموقف، ونسترشد بتراثنا الاخلاقي والإيماني السموح في علاقاتنا داخل شعبنا ومجتمعاتنا…
رحم الله عصام العريان….
وحمى الله مصر الغالية على كل عربي…..وحصنها بوجه كل استهداف لأمنها الوطني والقومي من أي جهة جاء هذا الاستهداف..