بقلم: أواب المصري
مخطئ من كان ينتظر من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أن تنجح بإدانة النظام السوري ورئيسه، أو أن تثبت تورط حزب الله وقيادته في جريمة اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري عام 2005. منذ البداية كان المطلوب من المحكمة الدولية إجراء تحقيقات قضائية مهنية بعيدة عن التحيّز والتسييس، وأن تتوصل لكشف هوية المسؤولين عن ارتكاب الجريمة وإدانتهم بأدلة لا تقبل النقض والشك. لكن النتيجة جاءت مخيبة لآمال من آمن بجدوى المحكمة طيلة 15 عاماً.
يصلح الحكم الصادر عن المحكمة الدولية أن يكون قراراً ظنياً يُشكل منطلقاً لإجراء المزيد من التحقيقات والبحث عن أدلة حقيقية، يصلح أن يكون مطالعة سياسية لكشف ملابسات وخلفيات اغتيال رفيق الحريري، لكن أن يكون الحكم النهائي الصادر عن المحكمة الدولية بعد 15 عاماً من الانتظار على هذه الشاكلة، فهذا ما لم يكن متوقعاً ولا مأمولاً. فحكم المحكمة لم يقدم جديدا، وهو جاء مليئاً بمفردات مثل “يُعتقد..”، “يُظن..”، “لم تتمكن المحكمة من..”، “تعذر على المحكمة..”، “لم تجد المحكمة رابطاً..”، وهذا كان أقرب لتوقعات فلكية من أن يكون حكماً قضائياً شارك في التوصل إليه أهم قضاة ومحققي العالم. كل ما أوردته المحكمة في حكمها كان محاولة لإنكار الحقائق وليس إثباتها. في حين أن كل ما اعتبره رئيس المحكمة إنجازاً واكتشافاً لم يكن في الواقع إلا أدلة ظرفية يمكن لأي كان التشكيك بمصداقيتها.
استغرب كثيرون تبرئة المحكمة لثلاثة متهمين لعدم كفاية الأدلة لإدانتهم، وحصر الإدانة بمتهم واحد. لكن ما غفل عنه هؤلاء أن أدلة إدانة المدان الوحيد هي نفسها غير مقنعة وضعيفة ويمكن التشكيك فيها. فأين الإدانة في وجود هاتف المتهم في بقعة حصول الجريمة، ومن قال إن المتهم هو الذي كان يحمل هاتفه بنفسه ولم يكن مع أحد غيره، وماذا لو أن جهة ما اخترقت شبكة الاتصالات وزرعت الهاتف في مكان ارتكاب الجريمة، وماذا لو أن خللاً تقنياً أدى للاعتقاد بأن الهاتف كان موجوداً في بقعة الجريمة في حين أنه كان في مكان آخر. هي احتمالات ضئيلة الحدوث لكنها في النهاية واردة، وبإمكان أي أحد التشكيك بمصداقيتها، وبالتالي مصداقية الحكم المبني عليها.
كان اللبنانيون -كما العالم- ينتظرون أدلة حسية لا تقبل التشكيك تدين من ثبتت مسؤوليتهم، أدلة لا يمكن إنكارها تتعلق بالوجود الفعلي للمتهمين: بصمات وراثية، صور، علاقة مباشرة تربط المتهمين بالمتفجرات، أو بالشاحنة التي استخدمت في ارتكاب الجريمة، أو باختطاف أحمد أبو عدس (الذي ظهر في شريط مصور يعلن مسؤوليته عن الاغتيال).. كان اللبنانيون ينتظرون أن تفاجئهم المحكمة بإنجازات غير متوقعة، لكن المفاجأة كانت ببناء المحكمة حكمها على أدلة ظرفية تتعلق بخطوط هاتفية كانت توصلت إليها الأجهزة الأمنية اللبنانية قبل 12 عاماً.
لو صدر الحكم عن محكمة عادية ربما تقبله اللبنانيون ولقالوا “أمرنا لله”، لكن أن يصدر عن محكمة دولية شكلت في مرحلة من المراحل عنواناً للانقسام بين اللبنانيين، وكانت يوماً ما سبباً لاستقالة حكومة، وشرطاً لتشكيل حكومات، وتكبد عليها لبنان قرابة 700 مليون دولار، فهذا ما جعل حكم المحكمة مخيباً للآمال.
ربما من الإيجابيات التي حملها معه حكم المحكمة الدولية، أنه أعطى درساً للبنانيين الذين يطالبون اليوم بمحكمة دولية في تفجير مرفأ بيروت. فعلى فرض حصول ذلك، وكان أداء المحكمة الدولية الخاصة بالمرفأ شبيهاً بأداء المحكمة الخاصة باغتيال الحريري، فهذا يعني أن حكمها سيصدر عام 2035، وأنها ستحصر اتهامها بموظفين بالإهمال والتقصير لعدم كفاية الأدلة لاتهام سواهم، هذا عدا عن ملايين الدولارات سيدفعها اللبنانيون من لحمهم الحي.
المصدر: الجزيرة نت
زر الذهاب إلى الأعلى