أنا مؤمن، أن تطوّرا سيحدث على القضية الفلسطينية، وأن زمنا لابد أن يأتي، يحمل معه اندحارا لكل الأحلام التي تبنى على انتهاء القضية… أنا لا أعرف كثيرا في السياسة، ولا في التقاطعات والتجاذبات الدولية، ولا أعرف ما يدور تحت الطاولة، أو حتى فوقها، لكني أعرف بعض الحقائق، التي تؤكّد أن فلسطين ستنهض .
اللاجيء في كل دول العالم ،حين يمضي على لجوئه (50) عاما وأكثر، ينخرط في المجتمع الذي يعيش فيه، ويحمل ثقافته إلا الفلسطيني، فما زالت الأمهات، في مخيم البقعة، يصرخن على أولادهن: (بلاش تجري يِمّه وتوكع).. ما زالت اللهجة الفلسطينية مترسْخة، وتولد مع الفلسطيني، قبل أن تشاهد عيونه النور… لم تذب، لم تذبل، ولم تندحر… في حين إن إسرائيل، لم تستطع للان أن تعلّم اليهود الروس، اللغة العبرية!
مازالت رائحة (قدحة الثوم) هي ذاتها، في مخيم الوحدات، وعين الحلوة، والشاطيء، ومخيم (صبرا)… ومازالت هذه (القدحة)، تسكب فوق الملوخية، وتنتج رائحة تطوف الحي كاملا، في حين إن إسرائيل منذ (50) عاما، وهي تحاول أن تسرق طعامنا، وتحاول عبثا أن تؤسّس هوية لها في الطعام وتفشل.. أي دولة تلك التي لا تعرف المذاق، في حين إن الفلسطيني علّم الدنيا معنى المذاق .
ما زالت الأم في قباطيا، هي ذات الأم في مخيم اليرموك على أطراف دمشق، فحين يسعل وليدها، تُحضر من (النملية)… (السيرج)، وثمة اعتقاد متوارث لدى الأم الفلسطينية، أن هذا الدواء يوقف سعال الأطفال، وحين تسكبه في فمه، وعلى صوت القصف، وانقطاع الكهرباء، في مخيم اليرموك، يصب في معدة طفل قباطيا …
الأوطان فقط، هي التي تبدّلت، ولكن كفّ الأم في قباطيا، هو ذاته كفّها في مخيم اليرموك، والآيات التي تتلوها في أذن وليدها، حين ينام المخيم، هي ذاتها الآيات التي تتلى، على أذن الطفل في قباطيا.. قد تتبدّل الجغرافيا، لكن القلب الفلسطيني واحد… الأم الفلسطينية تعالج السُعال بالقرآن و(السيرج)، في حين إن الأم الإسرائيلية، تطلب سيارة الإسعاف، وترسله إلى (هداسا)، وقد تحضر متأخْرة، وقد تقرأ إرشادات الطبيب للحالة… في الكيان الغاصب، يوجد قانون ينظْم القتل، وينظّم الطب، ويلغي العواطف، في حين إن فلسطين كلها، ولدت من القلب، وعاشت في القلب، وقد يتوقّف القلب عن النبض وتبقى تنبض.
مازال الفلسطيني في البرازيل، الذي ولد هنالك، وعاش كل عمره، ولم يشاهد أرضه.. يعرف رائحة زيت الزيتون الفلسطيني، يميّز بين زيت نابلس، وزيت الخليل… وحين تأتيه زجاجة من فلسطين، يخبر الأولاد والجيران والأصدقاء، ويعتبرها أثمن رصيد… في إسرائيل، الزيت الذي يستعمل لتنظيف البنادق أهم، والزيت الذي يوضع في محرْكات (الميركافا) أعلى سعرا، والزيت الذي يستعمل للمساج على شاطيء حيفا، منعش أكثر… الأم الإسرائيلية، لا تعرف معنى نقطة من الزيت في أذن طفل، يأن تحت الصفيح في المخيم، ولا تعرف معنى أن تسكب فلسطين في جوف الروح، حين تتناول (لقمة) منه… الأم الإسرائيلية الزيت المهم لديها، هو الذي يستعمل للسلاح، لأن الخوف يستولي على قلبها، في حين إن الله يستولي بحضوره وحبه، والإيمان به على قلب كل أم فلسطينية .
حين تطرز بنت من مخيم الحسين، ثوبا لخطبتها… فتأكْدوا أن الإبرة تلظم في جنين، وأن طرفها حين يخترق القماش هنا، يكون قد صاغ التطريز في طولكرم… مازالت الإبرة واحدة، سواء في مخيمات لبنان، أو مخيّمات سوريا، ومازالت جديلة البنت واحدة، سواء في مخيم الحسين هنا، أو على أطراف الفارعة في فلسطين… والتاريخ علّمنا أن البنت التي تطرز ثوبها، هي ليست ذات البنت، التي اغتالوا أنوثتها وأرسلوها لجيش الدفاع، وحمّلوها السلاح، ودرّبوها على القتل… فلسطين دلّلت كل أنثى، وفلسطين أنتجت الأرحام فيها، أجمل الثوار وأجمل الشعراء.. في حين إن هنالك دولا تقتل الأرحام، وتغتال الأنوثة… والبنات في ثقافتها، هن مجرّد ألآت لقتل شعب، علّم أيوب كيف يكون الصبر بالنزف والدم والشهداء، وعبّد طريقه في الحياة على هذا المسار .
في فلسطين، ينقسم الفلسطيني، إلى فتحاوي وحمساوي وجبهة شعبية وجبهة ديمقراطية، ولكن القلب واحد.
وله ومصب واحد، والدم فيه واحد.. وله هوية واحدة، وهي الهوية الفلسطينية، في حين إن إسرائيل قد يكون الكيان جسدا واحدا، لكنه كيان من دون قلب، فاليهودي الروسي لايملك قلبا، مثل اليهودي البولندي، والفلاشا قلبهم ليس كقلب اليهوديي الأمريكي… هم بدون قلب أصلا، والتاريخ ينصف القلوب العاشقة فقط، لأنها هي القلوب التي ستنتصر في النهاية.