نصرالدّين السويلمي
هل لديك أفعال أخرى يا عصام ؟.. هل لديك أقوال أخرى يا عصام؟.. هي الإرادة الإلهيّة ،تسأل الرجل الجبل..لقد أنهى عصام كلّ ما لديه من أقوال ومن أفعال، لذلك دقّت ساعة الرحيل.. عاش الرجل لدعوته ومات لها، وسيبعث إن شاء الله على نخبها.. حين أعدموه شنقا بالسكتة القلبيّة، كان الرجل الجبل أو الجمل قد بلغ ستا وستين سنة، لا بأس ليس ببعيد عن سن 63 ،التي قبض فيها النّبي صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ إنّ الحبيب قال “إنّ أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين”، وها هو عصام قضاها في رحاب الدعوة والعلم ومقارعة الظلمة، ها أنت الآن يا عصام،تعانق الفخر من منبته ومن سنامه،أن تلبث في السجن سبع سنوات كنبي الله يوسف، وأن تموت شهيدا في محراب زنزانتك كنبي الله يحيى، وأن تصارع محنك بصبر كنبي الله أيّوب،فتلك منازل لا يدركها إلّا أولي الصدق.. أولي العزم.. وأولي الإخلاص.. وكأنّي بك يا عصام،لا تشبع من الفخر، كأنّي بك نهم إلى الرقيّ، تدعو إلى ربّك ويزكيك شعبك،وتصطفيك ثورة يناير، ويغدر بك الخونة،وتدخل السجن ،وتُعزل في محبسك ،ثمّ تنتهي شهيدا!!! وكأنّك جوعان لا تكتفي بشهادة مجرّدة، كأنّك تنمّق الشهادة، وتكثر من أوسمة الشرف.العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلّا ما يرضى ربنا، وإنّا على فراقك يا عصام لمحزونون.. ذلك الحزن المشروع، أمّا الذين أفزعهم الموت، وتقرّحت أكبادهم، فلا نملك لهم غير الدعاء، ليفيقوا من غفلتهم، رجل مدّ الله في عمره إلى ستة عقود ونصفو يزيد، ثمّ دخل السجن يدافع عن دينه وشعبه وثورته وحريّته ومستقبل بلاده.. ثمّ ابتلاه الله بالعزل، وقتل عطشانا للحنين، يؤزّه الشوق إلى الأهل والأحبّة، ثمّ بعد ذلك نأتي نحن الذين منّا من سيموت على فراشه ،كما تموت العير ،ومنّا من ستتخطفه المنون،وهو غارق في المتاهات والملذّات،ومنّا من سيموت منحنيا على أكوام الثريد،يراجم اللحم،ويعب المشروبات ،ويترنّح مع أغاني الزمن العليل،دون الزمن الجميل!!! ثمّ يخضّنا الحزن،ليس على أنفسنا، بل على رجل عاهد فوفّى،فسُجن ،فاستشهد فمضى.. وهو الآن على مشارف النهر الطبيعي العظيم، يسرع الخطى ، يرهقه عطش الشوق، بينه وبين الحوض حفنة من حفنات النّب لا يظمأ بعدها أبدا..
الأمين العام لاتحاد طلبة مصر.. المرشّح الأبرز لخلافة محمّد بديع.. بكالوريوس الطبّ والجراحة.. ماجستير الباثولوجيا الإكلينيكيّة.. ليسانس الحقوق كليّة الحقوق بجامعة القاهرة.. إجازة في الشريعة الإسلاميّة… ليسانس الآداب قسم التاريخ جامعة القاهرة.. إجازة في التجويد… عضو في نقابة الأطباء عضو في الكثير من النوادي العربيّة والإقليميّة العلميّة والدعويّة والفكريّة…. هذا عصام يرحل عن دنيانا بكلّ هذه الأوسمة، فانظر كيف سترحل، وكيف سيرحل، وكيف سنرحل، وبأيّ بضاعة، وعلى أيّ جنب من جنوب الولاءات.. هذا رجل لا ينام ،ولا يترك من ينام…
أيّها الرجل العصام، لماذا صعّبتها علينا، كيف الطريق إلى نهاية كنهايتك، من أين سنأتي بكلّ أوسمتك ثمّ نتوّجها بوسام الشرف الأكبر الأعظم الأفخم “ولئن قتلتم في سبيل الله أو متّم لمغفرة من الله ورحمة خير ممّا يجمعون*ولئن متّم أو قتلتم لإلى الله تحشرون” الوداع يا عصام.. موعدنا الحوض إن صدقنا وإذْ صدقت.