مقالات

هل هناك فرق بين تطبيع تركيا وتطبيع الإمارات ؟!

د.سعيد وليد الحاج*

كلّما أدنّا،وشجبنا، مسارات تطبيع بعض الأنظمة العربية، يخرج علينا البعض،مُدّعيّا أننا نهاجم تطبيع الآخرين،لكننا نصمتعن تطبيع تركيا،وأن الأمر لدينا ليس أمراً مبدئياً، وإنّما انحيازات سياسية.
ورغم أن المتابع،يدرك جيداً، تهافت هذه الادّعاءات، إلاّ أنه من المفيد التذكير بما يلي:

– التطبيع شرّ كله،كائناً من كان مقترفه،فليس هناك تطبيع سيء،وآخر جيد،أو تطبيع ضار،وآخر مفيد. وليس هناك تطبيع في صالح الشعب الفلسطيني،فكل علاقة مع الاحتلال ،هي من زاوية ما قوة مضافة لمشروعه،وبالتالي ضربة للقضية الفلسطينية والمنطقة عموماً.

-حين وقّعت تركيا اتفاق تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني في 2016، سطّرتُ موقفي الرافض للتطبيع، في منشورات ،وتغريدات ،ومقالات(موجودة على موقعي)،بما في ذلك تفنيد فكرة أن التطبيع فيه بعض المصالح المتصوّرة.كان هذا موقفي ،وسيظلّ كذلك، البارحة واليوم وغداً، وبنفس اللغة والمصطلحات و”الهاشتاجات”.

ورغم ذلك، فتركيا والإمارات-مثلاً -،ليسا على نفس الدرجة من التطبيع، ولا يمكن المساواة بينهما، لعدة اعتبارات في مقدمتها:
أولاً، ورث اردوغان والعدالة والتنمية تركيا،وهي في حالة تحالف استراتيجي مع الكيان الصهيوني ،والآن العلاقات الدبلوماسية والسياسية في حدها الأدنى،بينما ورثت الأنظمة العربية إرثاً متماسكاً من رفضه والعداء معه، والآن الحالة أقرب للتحالف الاستراتيجي،بمعنى أن مسار التطبيع مع تركيا، يتراجع ومعهم يتقدم.
ثانياً، علاقات تركيا مع الاحتلال قديمة،وسابقة على التمادي الكبير في الإجرام في السنوات القليلة الأخيرة، بينما العلاقات العربية تنمو اليوم معه، في ظل صفقة القرن ،وخطط تصفية القضية ،وضم الضفة والغور والجولان ..الخ.
ثالثاً، علاقات تركيا اليوم مع الاحتلال تجارية في معظمها، مع علاقات دبلوماسية بالحد الأدنى،(سحبت تركيا سفيرها وطردت سفير الاحتلال في 2018)، بينما علاقات الإمارات مثلاً معه ،تشمل التعاون الأمني والمناورات العسكرية المشتركة..الخ.،فهي أقرب لحالة تحالف.
رابعاً، تركيا دولة مسلمة،لكنها ليست عربية، بينما الآخرون دول عربية، لطالما رفعت رايات الدفاع عن العالم العربي من التدخّلات الأجنبية،وبالتالي يفترض أن واجبهم تجاه القضية الفلسطينية،ك أكبر بكثير من تركيا.
خامساً، العلاقات قائمة بين تركيا والاحتلال، إلاّ أن الود مفقود بينهما،ولا زالت تركيا في مقدمة الدول المهاجمة لسياسات الاحتلال،ومن الأعلى صوتاً ضده. بل وصنّفها مؤخّرا، ضمن التهديدات التي تواجهه،بينما بعض الأنظمة العربية ،تكاد تحمّل الفلسطينيين مسؤولية الجرائم الصهيونية.
سادساً، معظم الشعب التركي مع الشعب الفلسطيني،وضد العلاقة مع الاحتلال، وكذلك الشعوب العربية. إلاّ أن الأول يحظى بقسط من الحرية والديمقراطية، التي تتيح له الانتقاد والرفض – وهو أحد أسباب عدم تطوّر العلاقات -،بينما تكبّل أيدي وألسن الشعوب العربية إزاء تجاوزات حكامها، ولا يستطيعون أحياناً مجرد التعبير عن رأيهم، بل ولا يسمح لبعضهم حتى بالصمت.
أخيراً، حين نكون أمام حدث تطبيعي من أي طرف كان، فإن استحضار تطبيع أطراف أخرى قد يساهم في تخفيف حدّة رفض الخطوة الجديدة ،رغم خطورتها. بالتأكيد لا ينبغي قبول التطبيع من أيٍّ كان، لكن أيضاً ينبغي عدم الخلط بين الأولويات ،وإضاعة واجب الوقت. يتعمّد هذا الخلط والمساواة بين الجميع عادة بعض من يريدون تبرئة المطبعين الجدد.

*كاتب وباحث مختص بالشؤون التركية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق