يمكن تحديد المواقف العربية من العدوان الأخير على غزة في المحاور التالية: 1- محور الإدانات: وتندرج هذه الإدانات العربية في اتجاهين :الإدانة الرسمية الحكومية والإدانات الشعبية ، ويمكن وصف الإدانات الرسمية للعدوان –وبدون أي نزق- بأن أغلبها ادانات “كاذبة” ، لأن سياسات هذه الدول لا تتناغم مع المواقف الميدانية، فالذين أدانوا يتزايد حجم تبادلهم التجاري مع إسرائيل ،كما أن تقارير التعاون الأمني والسياسي السري –طبقا لما يتواتر في وسائل الاعلام المهمة – في تزايد واضح. من جانب آخر ، فإن القيمة الميدانية لهذه الادانات معدومة تماما، وإن سجّل الإدانات السابقة من هذه الدول العربية لا يكاد يحصى، بل أزعم أن بعض الإدانات ، هي لأغراض ذاتية بحتة لا علاقة لها بموضوع الإدانة. 2- محور الوسطاء العرب، من الملاحظ أن مصر وقطر يتصدّران هذا المشهد، ومعلوم أن الوسيط يجب أن يتوافر على بعض شروط الوساطة، وأولها القدرة على التأثير المادي والمعنوي على أطراف الخلاف لدفعهم نحو نقطة وسطى ، وهنا تبرز المشكلة، فمصر بحكم جوارها الجغرافي وهيمنتها الجيوسياسية والجيواستراتيجية على قطاع غزة، تمتلك قدرة كبيرة للغاية للضغط على غزة، سواء لحركة المواطن الغزّي، او المسؤول الفلسطيني، أو عبور المواد المختلفة للتجارة استيرادا وتصديرا…أما قطر ، فإذا كان لمصر سيف المعز..فلقطر ذهبه، فهي داعم رئيس لغزة ماليا ،لأن من يريد القيام بدور ” دبلوماسية الإنابة( Proxy Diplomacy ) لا بد له من التزوّد بمتطلّباتها..وغزة في أَمـسّ الحاجة لمصر وقطر. لكن إذا انتقلنا للجانب الآخر، أي الطرف الاسرائيلي، فما هو تأثير مصر وقطر على الجانب الإسرائيلي ؟ …ازعم أن التأثير هو “صفر ،وإن كان صفيرا كبيرا”، فهم يوحون بأن لهم تأثيرا على الأطراف ، لكن الميدان يشير إلى أنهم لا يؤثْرون عليه نهائيا ،وهم ينتهجون سياسة الاسترضاء(Appeasement) التي انتهجها الحلفاء مع هتلر. في ظل المعادلة السابقة، فإن الوسطاء العرب لا يملكون سوى القدرة في التأثير على الطرف الغزّي،بل انهم يتحيّنون الفرصة لذلك ، لأن الطرف المستهدف، هو حركة الجهاد الاسلامي ، وهو ما يعني أن دور قطر ومصر ،هو الضغط تحت ستار الوساطة على الجهاد الاسلامي، للقبول بشروط اسرائيلية ستظهر تباعا،وإلا فعلى الحركة ان تدفع الثمن لما سيوصف لاحقا ” بتعنتها”. ويرتبط بهذه المسالة فرع آخر: هل تواري حماس عن المشهد العسكري ،كان جزءا من الضغط على الجهاد استرضاء لمصر وقطر؟ أم أنه تهرّب من حماس من الالتزام بما ستقود له المفاوضات التي من المؤكّد أنها لصالح ” إسرائيل” مباشرة ،ولصالح سلطة التنسيق الأمني بشكل غير مباشر، أم هو إدراك من حماس أن الوضع في غزة(سياسيا وعسكريا واقتصادية) لا يحتمل المواجهة الحالية ، وهو شق في جدار “الغرفة المشتركة” قد يقود الى ما لا تحمد عواقبه أيّا كانت فرصة هذا الاحتمال. 3- موقف الجامعة العربية: لا تحتاج هذه المؤسسة لأي تعليق، فهي عاجزة عن حل المشكلات بين أعضائها، فكيف لها أن تحلّ مشاكل أحد أطرافها”شايلوك”. 4- إذا كانت حماس لم تشارك بالقدر المؤثّر في المواجهة، فمن غير المعقول الطلب من غيرها أو حتى التلميح لغيرها بذلك. 5- فإذا اضفنا لكل ذلك، الفارق في موازين القوى (سياسيا وعسكريا واقتصاديا) بين الجهاد الإسلامي”ومن معها” وبين ” إسرائيل”،فإن الصورة قاتمة للغاية ، وأخشى أن يتحوّل فرض وقف إطلاق النار لفترة طويلة المدى ،وبشروط قاسية عليها، يكون من بينها إشراك سلطة التنسيق الأمني في إدارة الجوانب الأمنيّة في القطاع ،وتحت ستار من تعهّدات دولية وعربية ، وقد تتعاضد كل هذه العوامل: سيف مصر ،وذهب قطر ،والمدفع الاسرائيلي، والمساعدات الاوروبية الأمريكية للمواطن الفلسطيني لتكون روافع الضغط على غزة للقبول بالمخطط ،الذي سبق ونبّهت له منذ بضعة شهور . أخيرا ….أملي أن يكون تقديري خاطئا ،وأنني في ضلال مبين، وأن يتّضح أن النظرية العبقرية بأن التطبيع لصالح السلام الذي تتبناه دولة الامارات المتحدة ،هي اكتشاف علمي لا نظير له.