ليس من قبيل المبالغة أو الإثارة، القول ، إن انتخاب الدكتور صلاح عبد الحق ، قائما بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين المصريين و التنظيم الدولي ، يشبه في ظروفه و ملابساته – مع الفارق- الأجواء التي سادت بعد استشهاد الإمام حسن البنا -رحمه الله – في شباط / فبراير 1949م، مع الأخذ بعين الاعتبار ، أن جميع اصحاب الشيخ البنا أو تلاميذه من أعلام ورموز وقيادات الجماعة – حينذآك-كانوا موجودين عند استشهاده ، ولكن وجه الشبه مع الحالة الآن، تمثّل في حالة الحَيْرة – التي سادت أجواء الجماعة في الزمن القديم والجديد ، فإذا عدنا إلى مرحلة استشهاد حسن البنا، كان السؤال الذي طرح نفسه حينذاك: من هو الذي يمكن أن يخلف البنّا ، وهو الذي كان صاحب ” كاريزما” غير عاديّة، كما كان يحظى بالقبول في أوساط الجماعة بما يشبه الإجماع؟!
لقد جرت حينها مشاورات بين قيادات الجماعة ، التي اهتدت بعد حالة من الجدل والاختلاف، إلى رجل بعيد عن الأضواء ،وكان يعمل في السلك القضائي حينها ،ويحظى بثقة الإمام البنّا ،وهو المستشار حسن اسماعيل الهضيبي ، الذي كان اختياره حلا توافقيّا بين الرجال الذين كانو يحيطون به، خاصة وأن هناك رواية منسوبة إلى البنّا ،أنه في حال غيابه عن المشهد، ووقوع الخلاف حول خليفته، يمكنهم اختيار الهضيبي مرشدا عاما للجماعة ،وهو الأمر الذي جرى فعلا ، إذ تم الذهاب إلى الهضيبي وعرض الأمر عليه، فوافق على تولّي منصب المرشد العام، وبقي ذلك سرا لمدة ستة شهور . وبعد زوال الظروف المانعة ، استقال الهضيبي من سلك القضاء، وتم الإعلان عنه رسميّا مرشدا عاما للجماعة في 1951/10/17.
بعد نحو ( 72 )عاما، عادت الجماعة لتواجه ظرفا مشابها لذلك الظرف، إن لم يكن أشد وأصعب وأقسى، فقد وقع الانقلاب العسكري الغاشم، الذي قاده عبدالفتّاح السيسي، قبل نحو عشرة أعوام ( 2013م) ، واعتقل على إثره المرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع ،كما اعتقل ثلاثة من نوابه في فترات مختلفة، وهم : المهندس محمد خيرت الشاطر ،والدكتور محمد رشاد البيومي ، والدكتور محمود عزت، فقاد الجماعة من الداخل، نائبه الدكتور محمود عزّت ، الذي أصبح قائما بأعمال المرشد العام ، ولكن بسبب اعتقاله في 2020/8/28،ووفاة أحد نوّاب المرشد العام جمعة أمين من قبل، ثم وفاة إبراهيم منير مؤخّرا ،وهوالذي كان نائبا للمرشد العام ثم قائما بأعماله بعد اعتقال الدكتور محمود عزت، أصبح السؤال هو : من سيقوم بأعمال المرشد،خصوصا وأن أمين عام الجماعة الدكتور محمود حسين المقيم خارج مصر منذ انقلاب 2013 انشق عن الجماعة … هذا السؤال كان يدور في أذهان الكثيرين ،وفي مقدمتهم إبراهيم منير الذي كان يسابق الزمن لترتيب أوراق الجماعة ،قبل أن يعاجله الموت ،وهو الذي تجاوز الثمانين، وكان يشعر أن منيّته قد اقتربت .
كان منير يميل إلى اختيار الدكتور محي الدين الزايط نائبا له،ليحل محلّه في حال وفاته ، ولكن منير وحرصا منه على الحصول على رضا الغالبيّة، وعلى تجنّب وقوع إي إشكالية، رأى أن يعود إلى مجلس شورى الإخوان المصريين العام، ويترك لهم حريّة الانتخاب بالتصويت السري، وهو ما فعله قُبَيْل وفاته، ولكنه لم يعلن عن نتيجة التصويت التي تم فرزها من قِبَلِه ، ومن أصغر الأعضاء سنّا، وتم الاحتفاظ بالنتيجة في ” ظرف” محكم الإغلاق، ووضعه عند لجنة ” محايدة”، على أن يتم فتح ” الظرف” حين الحاجة.
وشاءت الأقدار أن يتوفّى إبراهيم منير في 2022/11/4، فتم استدعاء مجلس شورى الإخوان المصريين، واطلاعهم على نتيجة تصويتهم ، بانتخاب الدكتور صلاح عبدالحق ، فأكّد المجلس على انتخابه ولكن بالإجماع هذه المرّة، خلافا للتصويت الأوّل الذي كان بما يشبه الإجماع ،والأمر نفسه حدث مع مجلس شورى التنظيم الدولي( الذي يضم في عضويته عشرات التنظيمات العربيّة والإسلاميّة)، الذي انتخب عبدالحق بالإجماع مرشدا عاما للجماعة على المستوى الدولي.
هذه ملابسات انتخاب صلاح عبدالحق، التي تثبت أن انتخابه تمّ بصورة شوريّة وديمقراطيّة صحيحة شكلا ومضمونا قانونيّا، وأن ما أشيع عن “وصيّة” تركها منير ، تتضمّن ترشيحه ليس صحيحا، وإنّما ترك رسالة تتضمّن نتائج اختيار الشورى للشخص الذي سيخلفه.
يبقى السؤال الذي يطرحه الكثيرون : لماذا انتخب صلاح عبدالحق ، وهو الذي كان بعيدا عن الأضواء، وأمضى نحو ثلاثة عقود مقيما في المملكة العربية السعوديّة ؟ … هذا سؤال سنجيب عليه في تقرير مستقل آخر .