بقلم : علاء بيّومي*
بدون شك ،ارتكب الإخوان أخطاء منذ 25 يناير 2011. وبعد مرور أكثر من عقد باتت الصورة أوضح.
يرى البعض محقّين، ولو جزئيا، أن الإخوان أخطأوا في طريقة مواجهة الانقلاب، وفي عدم إدراك الانقلاب الذي يتم تخطيطه ضدهم، وفي اختيار وزير الدفاع الجديد (عبد الفتاح السيسي) والثقة المفرطة فيه، وفي الإعلان الدستوري، وفي الترشّح للرئاسة، وفي السيطرة على مجلس الشعب والشورى، وفي عدم التوافق السياسي.
كلها أخطاء مقبولة ،يمكن التناقش حولها، ولكن بعد مرور كل تلك السنوات ،بات هناك خطأ أكبر وأوضح.
أكبر خطأ وقع فيه الإخوان، كان عدم التمسّك بقرار مكتب الارشاد، الذي تردّد في المشاركة في مظاهرات 25 يناير، وكان حريصا على عدم الانخراط فيها، وهو قرار أشارت له بعض الكتابات الأكاديمية وشهادات بعض شباب الجماعة الذين استقالوا منها بعد ذلك.
تشير تلك الشهادات ،إلى أن مكتب الإرشاد وقادة الجماعة الكبار، وربما من بينهم الدكتور بديع والدكتور سعدالدين الكتاتني والدكتور محمد مرسي، كانوا متردّدين في الاستجابة لدعوات المشاركة في 25 يناير بسبب غموضها، وبسبب خوفهم من خروجها عن السيطرة، ومن تحمّل الإخوان الثمن الأكبر عنها فيما بعد.
وفقا للشهادات نفسها، قادة الاخوان تراجعوا عن ذلك الموقف فيما بعد، تحت ضغط من شباب الجماعة وقادتها الشباب الأكثر تحمّسا، مثل الدكتور محمد البلتاجي وعبدالمنعم أبوالفتوح وعصام العريانس، وتحت ضغط الميادين بالأساس، ونزول الجماهير للشوارع استجابة لدعوات التظاهر في 25 يناير.
يبدو لي بعد كل تلك السنوات ،أن قادة الاخوان الحذرين، كانوا على صواب في حذرهم وفي حرصهم على عدم استفزاز النظام، وعلى السير وفقا للخطوط الحمر ، التي رسمها لهم ولمعظم القوى السياسة المعروفة في مصر في ذلك الحين.
مصر (الشعب والقوى سياسية) ، لم تكن مستعدة لثورة أو للديمقراطية لأسباب كثيرة، ولعلّ من أفضل من شرح تلك الأسباب ،الخبير الأمريكي (روبرت سبرنجبورج )الذي يركّز على الاقتصاد السياسي.
مصر ليس فيها تعليم جيد ،ولا نخب اقتصادية مستقلة، ولا شعب قادر على تحمّل عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي المرتبط بالثورات،وهي محاطة بجيران شديدي الحرص على محاربة الديمقراطية ،خاصة في مصر مهما بلغت التكاليف.
أدرك سبرنجبورج وقادة الاخوان ذلك ،وكانوا حذرين وحريصين على عدم استفزاز النظام. ولكن يبدو أن الأحداث كانت جارفة ،وهو ما دفع قادة الاخوان على تغيير موقفهم ،والمشاركة في الثورة بثقلهم ،ودفع الثمن الأكبر بحكم حجمهم وتركيبهم.
هذا الخطأ وقع فيه أخرون ،مثل الدكتور محمد البرادعي، الذي كان أيضا حريصا على عدم تقدّم الصفوف، وكان حريصا أيضا فما يبدو لي على التوصّل لصيغة انتقال سياسي بالتوافق مع نظام حسني مبارك نفسه،وأربكه كثير من شباب 25 يناير، الذين بالغوا في قدراتهم، وانتهى بهم الأمر في المقابر أو السجون أو المنافي.
باختصار، كثيرون بالغوا في أمالهم، ولم يقدّروا عواقب الأمور ، وبعد كل ما حدث، يبدو لي حاليا أن كثيرين لم يقدّروا مدى شراسة وعنف وفساد الدولة العميقة في مصر ،وكيف أنها لن ينصلح حالها بسهولة.
لو عاد الزمن، لربما كان الأفضل الرضى بعمر سليمان أو أحمد شفيق أو عمرو موسى أو حتى جمال مبارك. باختصار ،الدولة العميقة في مصر عصية على الإصلاح بسهولة، ومستعدة لتدمير البلد نفسها وإغراقها بالديون ،وقتل المئات في الشوارع دفاعا عن مصالحها.
كما أن قوى سياسية وجماهيرية كثيرة غير مستعدة للتغيير ،ولو ادعت غير ذلك.
في هذه الحالة، ربّما كان الأفضل، عدم المشاركة في المظاهرات من أساسه، أو المشاركة بحذر ،والاكتفاء بتحقيق أهداف محدودة يسهل الدفاع عنها.
ما حدث كان انجرافا غير محسوب وراء انتفاضة جماهيرية عفوية، ولكنها مخترقة، انتفاضة تفرّق قادتها وكان مستحيلا تجميعهم ،في مواجهة خصم مستعد لاستخدام السبل غير القانونية كافة، لضمان سيطرته على مقادير البلاد.
وقد يرى البعض في تلك المراجعة واقعية صادمة أو انهزامية، ولكنها دعوة لإعادة التفكير فيما حدث بهدف التعلّم وليس جلد الذات. ويبدو لي أنه من الخطأ تقدّم الصفوف بدون استعداد كاف، والانسياق وراء الجماهير بدون خطة للرجوع، والبحث عن تغيير سريع دون دراسة عواقب الأمور.
ويبدو لي أن أكبر طموحنا حاليا ،هو البحث عن صيغة للخروج من حالة الصراع الصفري الراهن والحذر في المستقبل من الانجراف وراء مطالب التغيير بدون استعداد كاف، وتحذير الجماهير والدولة العميقة من المصير الذي تدفع البلاد باتجاهه، بسبب الوضع الحالي، وما يعتريه من مشكلات ،وعلى رأسها انتشار الفساد وغياب حكم القانون.
* كاتب وباحث سياسي مصري.
* (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).