قراءة أوّلية في الحكومة التركيّة الجديدة ، أهمها أن هاكان فدان هو مرشّح أردوغان القادم لرئاسة تركيّا
476 3 دقائق
بعد أقلّ من أسبوع على تجديد انتخابه رئيسا للجمهورية التركيّة لولاية ثالثة، أعلن رجب طيّب أردوغان ، في ساعة متأخّرة من مساء يوم السبت ( 2023/6/3)، تشكيلة حكومته الجديدة، التي سيرأسها وتضمّ خمسة عشر وزيرا ، إضافة إلى نائبه جودت يلماز . وفي قراءة أوّلية لهذه التشكيلة ،التي كانت محلّ ترقّب وانتظار من الرأي العام التركي، ودوائر الحكم وأجهزة الأمن والاستخبارات لدى كثير من الدول التي يعنيها الشأن التركي، يمكن رصد الملاحظات التالية : 1- يمكن وصف هذه الحكومة، بأنها حكومة كفاءات( تكنوقراط ) ، وهي تضم شخصيات وازنة وذات خبرة وتجربة في مجالات عملها . 2- نجح أردوغان في استعادة الخبير المالي ( محمد شيمشك) ، ليكون وزيرا للماليّة والخزانة، بعد ابتعاده مدة طويلة، بسبب خلافه مع أردوغان، حول السياسات الاقتصاديّة، وهو ما أرسل رسائل إيجابية، داخليا وخارجيا، لما يحظى به شيمشك ، من ثقة وسمعة طيبّة في الأوساط الاقتصادية، بسبب تجربته السابقة الثريّة، عندما كان وزيرا للدولة للشؤون الاقتصادية في الحكومة التي رأسها أردوغان نحو عامين (28 آب/ اغسطس 2007 – 1 أيّار / مايو 2009)، ثم وزيرا للماليّة في حكومتي أردوغان وأحمد داود أوغلو ( أيّار / مايو 2009 – 24 تشرين ثاني/ نوفمبر2015) ولم تكن استعادة شيمشك سهلة، إذ خاض مفاوضات صعبة مع أردوغان وراء الكواليس، وضع خلالها شروطا لقبوله التكليف، منها عدم فرض أي اسم لايقبل به ضمن الطاقم الاقتصادي الذي سيعمل معه، وعدم التدخّل في شؤون محافظ البنك المركزي، ومنحه صلاحيات رفع سعر الفائدة إذا استوجب الوضع الاقتصادي ذلك. ولاشك أن قبول أردوغان بهذه الشروط ، لايعكس إحساس أردوغان بعمق الأزمة الاقتصاديّة فحسب، بل يعكس كذلك ، ثقة أردوغان الكبيرة بإمكانات وكفاءة شيمشك. 3-اختيار (هاكان فيدان) رئيس الاستخبارات العامة، وزيرا للخارجية،وهو اختيار مهم كما يراه كثير من المراقبين ، إذ نجح هاكان خلال الفترة الطويلة لوجوده على رأس هذا الجهاز ، في بناء جهاز قوي، محقّقا إنجازات كبيرة، كما أضاف إلى الجهاز ، دورا سياسيا ، عبر الإمساك بملفّات سياسية ،جعلت دوره لايقتصر على الجوانب الأمنيّة بمعناها الفني، ولكن أصبح للجهاز دورا يماثل ما يمكن تسميّته ب( الأمن السياسي). ومن المتوقّع أن يلعب هاكان دورا كبيرا في السياسة الخارجية لتركيا، خلال الأعوام الخمسة المقبلة. 4- كان لافتا إبعاد ( سليمان صويلو ) عن وزارة الداخليّة، وهو الذي كان من أنجح الوزراء ، ومن أكثرهم شعبيّة، ويفسّر بعض المراقبين إبعاده عن هذه الوزارة خصوصا، وعن التشكيلة الحكومية عموما، أن نفوذ صويلو تضخّم كثيرا ، وأنه في النهاية ، يمثّل اختيار دولت بهشلي رئيس حزب الحركة القوميّة، وآن الأوان لاختيار شخصية من حزب ( العدالة والتنميّة)، وهو الذي جرى فعلا باختيار ( علي يرلي كايا)، وزيرا للداخلية،الذي عيّن خلال (12) عاما ،منذ عام 2007 ، وحتى عام 2019 ، محافظا لخمس مدن تركية، كان آخرها محافظا لمدينة ( غازي عنتاب) ، ثم مدينة (إستانبول) ،واختتمت بترفيعه حاكما لولاية إستانبول كبرى المحافظات والولايات التركية. 5-عيّن( ياشار جولار) وزيرا للدفاع، وهو شخص مخضرم في المؤسسة العسكرية، وتدرّج فيها منذ تخرّجه من ( المدرسة الحربيّة) ، برتبة ملازم، حتى وصل إلى رتبة جنرال، وعيّن منذ 10 تموز/يوليو 2017، رئيسا لهيئة الأركان التركية، بمرسوم رئاسي خلفاً لخلوصي آكار حينها. الجدير بالذكر ،أن جولار اجتاز اختبار الأمانة والولاء بنجاح كبير، عندما عارض ( الانقلاب العسكري) الذي وقع في تمّوز / يوليو 2017م، ما أدّى إلى احتجازه في قاعدة ( أقنجي) التي كانت قاعدة الانقلابيين، حتى تم تحريره. 6- الوزيران الوحيدان اللذان تم الإبقاء عليهما، هما : وزير الصحةّ( فخر الدين خوجة)، ووزير الثقافة والسياحة (محمد نوري آرصوي) . وقد جاء تجديد اختيارهما بسبب نجاحهما الباهر في عملهما خلال الحكومة السابقة. 7- المرأة الوحيدة التي تم اختيارها في الحكومة، هي(ماهينور أزدمير)، التي هي أصغر الوزراء سنّا( ٤٠) سنة، وتمتاز أنها عاشت الفترة الأكبر من حياتها في بلجيكا، إذ ولدت في (شايربيك) التابعة لإقليم بروكسل العاصمة، وانتخبت في البرلمان البلجيكي، مسجّلة أنها أوّل محجّبة تدخل البرلمان البلجيكي . وتمتاز ماهينور بأنها تعرف العقلية الغربيّة- الأوروبية، وطريقة التخاطب معها، كما أنها استفادت بجمعها بين العقلية الغربية في الانفتاح ، والتمسّك بالقيم الإسلامية المحافظة. 8- شكّل اختيار ( جودت يلماز) نائبا للرئيس ، مفاجأة غير متوقّعة ، على الرغم من أنه سبق له تولّي منصب نائب رئيس الوزراء لفترة قصيرة ،في حكومة أحمد داود أوغلو المؤقّتة، فضلا عن تولّيه منصب وزير التنميّة في حكومات رجب طيّب أردوغان وأحمد داود أوغلو : الأولى من 2011 إلى 2015، والثانية من 2015 إلى 2016. ولعلّ المفاجأة تكمن في أن التوقّعات كانت تتّجه أن يختار أردوغان نائبا له، يتم تأهيله ليكون الرئيس القادم، ولكن أردوغان رأى ضمن التوازنات السياسية والاجتماعيّة والعرقية، أن يختار نائبا من إحدى الأقليّات العرقية ، وهي ( الزازا)، التي يتعامل معها الكثيرون على أنها تمثّل أحد الأعراق الكرديّة، ولها لغتها الخاصة(الزازكيّة).
من هو المرشّح المقبل لرئاسة تركيا ؟
في ضوء أن هذه الولاية هي الأخيرة لأردوغان، وفق الدستور التركي، الذي لا يجيز انتخاب الرئيس أكثر من ولايتين متتاليتين ، مدة كل واحدة منهما، خمس سنوات، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو : من سيكون خليفة أردوغان، الذي سيتم ترشيحه قبل نهاية الولاية الحالية ؟ كان المراقبون ينتظرون التشكيلة الحكوميّة الجديدة، لأنها قد تعطي مؤشّرا نحو المرشّح القادم. وحيث إن أردوغان اختار نائبا ، لا يمكن أن يكون مرشّحا جديّا، فإن وزير الخارجيّة ( هاكان فيدان )، هو المرشّح الأرجح لمنصب رئيس الجمهورية، إذ سيكون قد بلغ سنّه (60 ) عاما، قضى معظمها متنقّلا في وظائف مختلفة ومتعدّدة في الدولة: عسكرية، وسياسيّة، واستخبارية، حقّق فيها نجاحات كبيرة ،خصوصا في فترة رئاسته لجهاز الاستخبارات العامة،خلال العقدين الأخيرين. كما يحظى هاكان بثقة كبيرة من أردوغان ، الذي مثّل هاكان كاتم سرّة ، وصندوق أسراره، وكان له دوره المميّز في مقاومة الانقلاب العسكري عام 2016، وهو ما عدّه المراقبون عاملا مهمّا من العوامل التي لعبت دورا في إفشال الانقلاب، ما عزّز من شعبيّة وموثوقيته لدى الرأي العام التركي. يضاف إلى ذلك، أن إمساك هاكان بملفّات سوريا وليبيا والعراق وروسيا، جعله شخصية إقليمية ودولية، تحظى بالاهتمام والمتابعة والرصد .