بقلم : د. وليد عبد الحي*
في ضوء حضور الرئيس الأوكراني زيلينسكي افتتاح القمة العربية في المملكة العربية السعودية، فإن التوقّف عند خلفيات دعوته وتقييمها، أمر ضروري .
أولا : في شباط / فبراير من العام الماضي ،وبعيد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ، عقدت الجامعة العربية جلسة على مستوى المندوبين، واتّخذت قرارات بالدعوة للتسوية السلمية في هذا الصراع ، لكن البيان تضمّن نصا على ” تشكيل مجموعة اتصال عربية على المستوى الوزاري، تتولّى متابعة وإجراء المشاورات والاتصالات اللازمة مع الأطراف المعنية ، بهدف ايجاد حل دبلوماسي وتكليف الأمانة العامة للجامعة، بإجراءالمشاورات اللازمة اعتمادا على هذه التوصية”.
لكن دعوة الرئيس الاوكراني إلى القمة العربية ،لا تستقيم واقحام الموضوع الاوكرني في القمة ،كما لا تستقيم وتقاليد الجامعة العربية في هذا الشأن، فدعوة الضيوف لا تتم طبقا لرغبة دولة أو دولتين ،بل لا بد من التشاور حول هذا الموضوع مع الأعضاء كافّة، ومناقشة هذا الأمر وتداعياته، وإبلاغ الأمانة العامة بذلك ، وهو أمر اتّضح بشكل جليّ، أن العديد من الدول العربية، لم يجر أي استشارة لها، بل شكّل القرار مفاجأة لها ، فكيف لمؤتمر قمة أن ينجح إذا كان الجانب الإجرائي أفشله قبل ان يبدأ.
ثانيا: من الناحية القانونية، فإن الجزائر هي رئيسة القمة إلى حين إعلان رئيسها، أو من يمثّلها عن نقل الرئاسة في اجتماع رسمي للوفود، وللأمانة العامة للدولة الموكّل لها تولّي الرئاسة، وتظهر ردود وسائل الاعلام الجزائري أن الدولة الجزائرية لم يجر إبلاغها أو التشاور معها حول هذه النقطة، وهو ما يشكّل خروجا على قواعد اللياقة الدبلوماسية وبروتوكولات القمم العربية.
ثالثا: لعلّ تغيب ولي العهد السعودي عن قمة الجزائر في العام الماضي –بذرائع صحية- شكّل إشارة لقدر من عدم التناغم بين السعودية والجزائر، ويبدو أن تغيّب الرئيس الجزائري تبون، جاء بسبب تراكم “التوجّسات المتبادلة بين المملكة والجزائر”، ولعلّ دعوة زيلينسكي ، تمثّل صبّا للزيت على النار، في ظل الرئاسة الجزائرية للقمة حتى انعقاد القمة العربية، وفي ظل العلاقات الروسية الجزائرية ،ناهيك عن ضرورات التشاور مع كل الأعضاء لاتخاذ موقف من الدعوة.
رابعا: هل القرار السعودي بدعوة زيلينسكي ، هي محاولة للظهور بمظهر القرار المستقل ،وتخفيفا من تنامي الصورة السلبية في الدوائر الامريكية للاستدارة نحو الشرق، التي أوحت بها سلسلة قرارات سعودية؟ إذا كان الامر كذلك،فما هكذا تورد الإبل، فالقوى الكبرى لا تتبنىّ قيم الدبلوماسية العربية في توجّهاتها الاستراتيجية، فهذه الدول تحسب خطواتها كما قال لينين يوما “ببيض النمل”، وليس بقرارات انفعالية طارئة ، فما الذي أضافه حضور زيلينسكي للقمة العربية؟ فهذا الرئيس يجلس فوق ركام متهالك في دولته ،ويتسوّل الدعم من أي كان..ففاقد الشيء لا يعطيه…ثم ماذا لو وقع للرئيس الاوكراني أي مكروه في ظل ملاحقته من روسيا بعد ضرب الكرملين وتصريحات ميدفيديف عن ضرورة التخلّص منه؟
خامسا: ماذا كان موقف سوريا والجزائر والعراق مثلا من هذا الحضور الاوكراني؟ وهل الواقع العربي من خلال بنود جدول اعمال المؤتمر ،كان يحتمل بندا جديدا طارئا وملحّا في الوقت الحالي، وهل الدبلوماسية العربية تريد الدخول في وساطة في الأزمة الأوكرانية، في الوقت الذي تعثّرت فيه الأمم المتحدة ومبادرات الصين ومبادرات افريقية وأمريكية لاتينية ؟ وهل سِجّل الدبلوماسية العربية مغر الى هذا الحد للاندفاع باتجاه موقد مشتعل آخر في الوقت الذي تشتعل كل المواقد في بيوتنا؟
لن أتفاجأ إذا تمت دعوة نيتنياهو الى قمة عربية لاحقة !
*كاتب وباحث فلسطيني
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)