بقلم : د. بسام علي العموش*
جاء في الحديث الشريف: ” الحكمة ضالة المؤمن ” ، أي أن المؤمن يبحث عنها ويطلبها فهي قيمة بحد ذاتها وليس مهما” ممن تكون ولا مصدرها المكاني .
لا شك أن الانتخابات التركية الأخيرة، قد شدّت أنظار العالم كله ،سواء كانوا من محبي أردوغان أو كارهيه . لكن الجميع انبهر بنظافة الانتخابات، حيث لم يدع أحد أن السلطة تدخّلت في مجريات الانتخابات ،فلم تشتر ذمة أحد ،ولم تلفّق لأحد، ولم يقع حادث واحد ينغّص على الناخب موقفه ، بل حرية مطلقة رسّخت أن الشعب التركي، هو السيد على بلده اليوم وغدا” ،ولا يمكن بعد اليوم أن يتطاول أحد على الصناديق النظيفة ،لأنها مكان الصوت الحر للشعب ،وأي اعتداء عليها هو اعتداء على الشعب . وهذا بالطبع يسجّل لحزب العدالة ولأردوغان ،حيث رسّخوا نظافة الصناديق منذ أكثر من عشرين سنة ،متجاوزين اللغة السخيفة في انتخابات المتخلّفين ونتائجها الفلكية المضحكة ٩٩% .
كما تجاوزوا فترة الحكم الدكتاتوري لكمال أتاتورك ،وها هو يتجاوز كمال اوغلو الأتاتوركي الجديد . لقد ظهرت سخافة طرح كمال اوغلو، فظن أن زيارته لقبر أتاتورك تساعده على النجاح ،بينما هو لم يدرك المتغيّرات، ونسي أن أتاتورك حارب دين الأتراك ولغة القرآن ،وراح يتسوّل رضا الغرب المتكبّر الخائف من إسلام الأتراك . نسي كمال اوغلو ممارسة أردوغان في الحريات، والإنجاز الديموقراطي والاقتصادي ، والروح الوطنية، والقرارات التي جعلت تركيا مستقلة لا ذنبية . يقف بكل كبرياء أمام بايدن وبوتين ،ويتصدّى لحقد الرئيس الفرنسي والغرب عموما” . بقي صامدا” على الرغم من أن كل من يحيط به يعاديه . لم يستغن عنه بوتين. ولم يفرّط به حلف شمال الأطلسي ،ويقدّم له بايدن التهنئة .
هو أول رئيس يقدّم أطروحة لحل المشكلة الكردية، ضمن أنهم جزء من شعب تركيا، لكنهم أصرّوا على السلاح بتوجيه أمريكا.أردوغان عالج المديونية التي غرقت فيها كثير من الدول التي لم تنجز حكوماتها ١% مما فعله أردوغان. نجح أردوغان والأهم ،نجاح التجربة التركية في منطقة تعجّ بالتخلّف السياسي والاقتصادي والديمقراطي والأمني . لم يقطع الحبل مع أحد، رغم أنه صال وجال في مختلف الملفات .ويكفيه أنه لم يهتف له أحد بأنه ” إلى الأبد” ،بل سيرحل بعد خمس سنوات،ليأتي فارس آخر لا يستطيع إلا أن يسير على نفس الدرب الذي مهّده أردوغان .
على كل حال، فإننا بانتظار ظهور شخصية مثل أو أحسن من أردوغان، حتى نكتب عنه في عالمنا العربي ،وعندها سنصمت لأننا سنجد من نفخر به من قومنا وفي بلادنا العربية.
* نائب وسفير ووزير أردني سابق.
* (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).