مقالات

العلّامة محمد نعيم ياسين أفقه الناس وأعلمهم في زماننا

بقلم : د. نذير الصالحي*
ووري شيخي الثرى .. فضيلة العلّامة محمد نعيم ياسين ..
وكنت أراه في زماننا أفقه الناس وأعلمهم .. وكنت أرى فيه ذكاء لم أجده في غيره .. وصاحب منهجية في البحث أقسم أنني ما وجدتها في أحد غيره ..
لم يكن شيخي يعلْمنا الفقه المجرْد لا والله .. بل كان يدلّنا على الله .. وكان يرقّق قلوبنا في الدرس .. ويعلّمنا الورع والزهد وحب الله ورسوله ..
وكان رحمه الله يعلّمنا أن ندعو لطلبتنا .. وكان كذلك يفعل .. وقد أخبرنا غير مرة بأنه يصلّي صلاته من الليل، ويمسك بورقة أسماء الطلبة ويدعو لهم بأسمائهم ..
علّمني شيخي بأن العلم عمل .. ولا فائدة من علم لم يعقبه صاحبه بعمل ..
علّمني بأن الباحث الحاذق لابد أن يفهم كل كلمة يقرؤها .. وعليه إذا ما كتب أن لا يكتب شيئا لا يستفيد منه في استخراج نتائج بحثه .. فكان رحمات الله عليه يكثر المقدّمات الموصلة إلى النتائج المهمة ..
وأذكر يوما بأنني كنت أجلس إليه .. وكنا نتحدّث عن كتبه ومؤلّفاته .. فذكرنا كتاب الإيمان .. ذلك الكتاب الذي طبق ذكره الٱفاق، وتعلّمه جلّ الخلق وتلقّاه الناس بالقبول.. وترجم إلى معظم اللغات .. سألت شيخي : ما سر هذا الكتاب ؟؟ وما سر قبوله بين الناس ؟؟
فأجابني إجابة العالم العابد وقال : أحسب أنني عندما كتبته كنت مخلصا ..
وأنا أشهد لهذا العالم العابد بالزهد والورع .. فما رأيت منه إلا حبّا للعلم ولطلبته ولتحرّي الحق فيما يكتب .. وكان مما خفّف عني فقد هذا الشيخ الحبيب والعالم الحاذق ، أنني كنت من أواخر من زاره في مرضه الأخير ( يوم الإثنين الماضي بعيد المغرب ) .. وكان الشيخ رحمه الله تعالى يصعب عليه تذكّر من حوله أو التعاطي معهم؛ فكان فقط يجيل النظر فيمن حوله، فلمّا دخلت عليه نظر فيّ وحاولت تذكيره بنفسي فلم يستجب أول الأمر .. ثم أخذت أقرا عليه بفاتحة الكتاب وأدعو له بدعوات الشفاء المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم .. فلما أنهيت نظر إلي .. فقلت له: أعرفتني شيخنا ؟؟ فنظر مجدّدا وقال بلسان ثقيل متعب : نعم نذير الصالحي .. فتبسّمت وما حزت شيئا أثمن من معرفة الشيخ لي في حالته هذه .. وتذكّره لطالب صغير من طلابه ..
خرجت من عنده، وكان ينظر الي وكنت أدعو له .. وقد عزمت أن أرجع لزيارته في هذه الايام غير أنني توعّكت وعاجله الأجل .. فرحمات الله عليه .. وتقبّل الله في عليين وجزاه خير ما جزى معلما عن طلبته .. وأبا عن أبنائه والحمد لله على أقداره ..
طبت حيّا .. وطبت ميّتا .. شيخي الحبيب
تلميذك ومحبك .. ومن كان يحسب نفسه أحد أبنائك ..

أستاذ في الشريعة الإسلاميّة من الأردن.
* (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع). 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق