تقاريرعام

لماذا نجحت قطر وفشلت أبوظبي ؟!

بقلم : شامة درشول*
تعرفون المقولة المتداولة:”المال لا يشتري كل شيء؟”. هذا هو سر نجاح قطر وسر فشل أبوظبي (وليس الإمارات).
قطر كما يقول أحد أصدقائي الثقاة، وهو مقرّب من الإمارات ،تعطي العيش لخبازه وهو ما لا تفعله أبوظبي ، أي أن قطر لا تكتفي بمنح المال، بل تعرف لمن تمنحه، وتتحرّى في ذلك الكفاءة، وليس الخنوع. أبوظبي تبحث عن الغلمان ،وليس عن الكفاءات.
تريد من يكونون طوع يدها، ويقبلون بالفتات، ويقبلون الأيادي، أما قطر فهي تعرف جيدا أين تصرف كل ريال، وفيمن تضع ثقتها، وأيضا، لا تخسر أصدقاءها، أما أبوظبي ،وبحكم تفضيلها للاعتماد على الغلمان، فهي لا تؤمن بالأصدقاء، بل هي مثل الطفل المدلّل الذي كلّما لمح شيئا في يد قطر ،رآه لعبة يرغب في الحصول عليها بأي ثمن،وحالما يضع يده عليها، أول شيء يحاول فعله، هو كسرها، لذلك أبوظبي لا أصدقاء لها!!!
كانت قطر ، أول بلد أسافر إليه،والخطوط القطرية أول طائرة أركبها، ولم تكن زيارتي تلك الأخيرة، بل تردّدت على قطر خمس مرات، أربع منها ضيفة على شبكة الجزيرة، والخامسة ضيفة من الأمم المتّحدة.
فتحت لي قطر باب الإعلام الذي كان موصدا في بلدي على مصراعيه، علّمتني على حسابها في معهد الجزيرة للإعلام والتدريب، ثم استقبلتني محاضرة في منتدى الجزيرة للإعلام، أجلستني مع كبار المنظّرين في الإعلام، وأنصتت لما أقوله، وعلى أرضها اكتشفت القوة الناعمة، واكتشفت أيضا قدرتي على التواصل مع كل ما هو مختلف عني، ولا يشبهني، ومنها، ومعها، اكتسبت القدرة على التواصل مع الإخوان ولو اختلفت معهم، ومجادلة ” إسرائيل” ، ومحاولة فهم إيران ،وعدم الخوف من أفغانستان .
في قطر، تعلّمت أسرار التواصل، والتواصل يعلّمك أن تظلّ قويا، محترما، ولا تتحوّل يوما إلى واحد من الغلمان.
في كل زيارة إليها ، كنت أجد قطرا جديدة. ابتسم وأنا أقول في نفسي”عقل جهنمي هذا الذي يخطّط ل قطر ، رائحة العقل البريطاني وراءه”.
لكن الجميل في قطر أنها لم تمنح نفسها كليّا للأجنبي، بل وظّفت هذا الأجنبي ليفكّر معها، وليس لها. أما أبوظبي ،فقد دمّرت كل ما بناه الشيخ زايد، ومحمد بن راشد، وحوّلت الإمارات إلى لعبة يتعارك عليها أبناء زايد الأشقاء.
يوم زرت قطر أول مرة، قيل لي “إن الدوحة تضع صوب عينيها دبي، لكنها ستتفوُق عليها، لقد توقّفت دبي عن التطوْر، وستصبح الدوحة ملهمة دبي”.
لكن، هل فعلا توقّفت دبي عن التطوّر ، أم أوقفتها أبوظبي عن التطوّر ؟؟!!
صحيح أن أبوظبي ، هي أغنى إمارة، وصحيح أنها من أنقذ دبي من الأزمة المالية العالمية، ومن ركود العقار، والسياحة، لكن ما لا يجب أن تنكره أبوظبي وعيال زايد، أن لا أحد كان يعرف الإمارات،، وأن دبي هي من صنع سمعة الإمارات، كبلد عربي، “مسلم”، منفتح على العالم، ومختلف عن الصورة العالقة في ذهن الغرب، وإن قدّمت أبوظبي شيئا للإمارات، فهو الشيخ زايد، الذي لم يكن نهائيا يقبل بهذا الحمق، والطيش، الذي يقوم به عياله اليوم.
في كتابه “قصتي”، يروي محمد بن راشد، حاكم دبي، كيف صنع إمارة دبي من صحراء قاحلة، إلى وجهة مالية عالمية. لا يؤمن بن راشد بالسياسية، ويرى أن وزراء الخارجية عليهم أن يكونوا ذوي عقلية استثمارية، وأن الاستثمار فقط ما يخلق التنمية، وليس السياسة.
نجح بن راشد بطريقة تفكيره هذه، ربّما لأنه حاكم إمارة وليس دولة، وحين أرادت أبوظبي تطبيق نظريته في عهد محمد بن زايد، وصهر راشد منصور بن زايد، فشلت.ربّما لأن أبوظبي نسيت أنه لا يمكن إدارة دولة بعقلية رجل الأعمال، بل بعقلية السياسي، وهذا هو الفخ الذي لم تقع فيه قطر.
قطر، كما “تعطي العيش لخبازه”، هي أيضا تعطي لكل شيء مكانته، ولا تلغي شيئا على حساب شيء آخر. للاقتصاد مكانته، وللسياسة مكانها، وللدين أيضا مكانه، أما أبوظبي، فقد سقطت في حفرة عميقة حين أعلنت حربها الضروس على الدين الإسلامي، وحاولت تغطية موقفها “الغريب” من الإسلام بالادعاء أنها تحارب الإسلام السياسي، أو الإخوان،أو حتى الارهاب، لدرجة أنها تدعم المنظمات اليمينية المتطرّفة في أوروبا المعادية للإسلام، وإن كنا نتفهّم حرية بعض شيوخ أبوظبي في اعتناق اليهودية، أو اعتناق المسيحية الأرثوذكسية كما يفعل منصور بن زايد، فإنه لا يمكن نهائيا تفهّم هذا العداء الشديد للدين الإسلامي ، إلا إن كان سببه عقدة التاريخ التي تحرّك إمارة ابوظبي ضد الملكيات الدينية مثل المغرب، والأردن، والسعودية، ويفسّر معه سبب التهجّم على الحكم في المغرب، وسر الفيديو المسرّب للملك في باريس.
قطر، والامارات،”وإسرائيل”، لديها الكثير من أوجه التشابه، دول صغيرة، غنيّة، تحكمها أقلية، في وسط أغلبية متعدّدة الجنسيات، والأجناس ، لكن إن كان الخوف من الهولوكست العربي ما يبقي” إسرائيل” قوية، وإن كان الخوف من انعدام الأمن الغذائي ما يحرّك أبوظبي، فإن قطر أمّنت مخاوفها بامتلاك ما تمتلكه ” إسرائيل”، وتفتقده الامارات، وهو العقيدة، عقيدة الدولة.
الإمارات، أو “الدولة الخائفة”، لا تمتلك عقيدة، بل إنّها دمّرت هذه العقيدة مع الشيخ زايد، في حين إن “إسرائيل” الدولة لديها عقيدة، وإن كانت الإمارات تتشبّه ب” إسرائيل” في تحوّل هذه الأخيرة إلى”الدولة الشركة”، فإن أبوظبي نسيت أن “إسرائيل ” تعرف أنها إن تخلّت عن عقيدتها، فستهوي ، وهو الفخ الذي لم تسقط فيه قطر إلى الآن.
انفتحت قطر على العالم، لكنها حصّنت نفسها، ووضعت لنفسها معالم، وخطوطا. لم تحارب الدين، بل جعلته يخدم مصالحها، ووظّفته في المونديال توظيفا عبقريا، آيات قرانية بالعربية، والإنجليزية ، تزيّن الجدران، تعرف قطر جيدا أنها خير رسول للغرب الى العالم الاسلامي خاصة غير العربي مثل إيران، وتركيا، وافغانستان.
هل قطر دولة وظيفية؟
قد تكون، لكن الأكيد أنها دولة عرفت كيف تستقل بالقرار، وتشتغل كدولة وظيفية حسب معاييرها التي تجعل الغرب يعدّها حليفا، وليس تابعا، وهو إنجاز يحسب لها، وامتحان رسبت فيه أبوظبي يوم قبلت أن تكون عصا ترامب لمعاقبة قطر، وتقزيم السعودية، فكانت النتيجة أن أصبحت قطر أكثر قوة، وعادت السعودية إلى الساحة الدولية بعد أزمة خاشقجي قوية.
تتميّز قطر عن إمارة أبوظبي بالنفس الطويل، وهو أحد أسرار نجاح القوة الناعمة، أمًا أبوظبي فكل ما تفعله هو تقليد قطر تقليدا صينيّا رخيصا، مما يجعلها تخسر المال والاصدقاء، ولا تكسب سوى الغلمان، والكثير من الأعداء، وتتحوّل لمجرد عجوز في فرح، لا تملك سوى اطلاق الاشاعات لعلّ العرس ينتهي، والفرح ينقلب حزنا، لذلك لا تجد أبوظبي سوى بؤرتها المفضّلة( تويتر) لتنشر عليها ذبابها الالكتروني، وتحرّض غلمانها، من أجل التشويش على مونديال قطر، وتختبئ وراء ترسانتها الإعلامية بقيادة منصور بن زايد لممارسة هوايته المفضّلة “التضليل”، دون أن يملكوا جرأة الاعتراف بأنهم ضغطوا بكل الأوراق حتى تنصاع قطر لأمنيتهم في قبولها مشاركة تنظيم المونديال مع دبي.
فعلا، المال لا يشتري كل شيء!

* كاتبة وإعلامية ومحاضرة مغربيّة.

* (التقرير يعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق