مقالات

قطر تواجه بشجاعة الانحلال والشذوذ والانحراف عن الفطرة في كأس العالم

بقلم: أوّاب إبراهيم المصري*
أيام تاريخية تعيشها دولة قطر مع بدء مونديال كأس العالم . طوال أكثر من 12 عاماً خضعت قطر لامتحان متواصل، تعلّق بمدى نجاحها وقدرتها على تنظيم أهم حدث رياضي تعرفه الأرض، وتتشارك عادة في تنظيمه عدة دول، فكيف بجزيرة صغيرة “جداً جداً جداً” ،كما وصفها أحد قادة دول الخليج “الشقيقة” يوماً ما للتقليل من قدرها.
طوال 12 سنة ،جنّدت قطر مواردها واقتصادها وبناها التحتية وقواها العاملة ودبلوماسيتها الناعمة لإنجاح الاستحقاق الذي يتحقّق اليوم. وأياً كان مسار البطولة في الأيام المقبلة، فإن نجاح قطر تحقّق مع انطلاق صافرة بداية أول مباراة.
النجاح الذي تحقّقه قطر هذه الأيام بتنظيم البطولة لم يكن سهلاً، بل اعترضته سنوات عجاف قاسية، تخلّلتها سنوات أربع من الحصار فرضته دون إنذار دول “شقيقة”. فحوصرت قطر في البر والبحر والجو، وكاد يصل الأمر حدّ عدوان عسكري. يتجنّب قادة قطر اليوم استذكار تلك المرحلة المؤلمة والحزينة من تاريخ العلاقات بين “الإخوة” ، بعدما عادت المياه إلى مجاريها. خلال سنوات الحصار تلك، تكبّدت قطر تكاليف باهظة ومضاعفة للاستمرار في تشييد البنى التحتية التي التزمت بإنشائها في البطولة.
ولعلّ بعض الروايات تقول بأن السبب الحقيقي الذي تسبّب بحصار دولة قطر عام 2017 يتعلّق بغيرة وحقد “أشقائها” من نجاحها باستضافة حدث يضعها على الخارطة العالمية ويصوّب أنظار العالم إليها. وقد كان قائد شرطة دبي (ضاحي خلفان) صريحاً حين أقرّ خلال حصار قطر، أنه ما ان تتخلّى الدوحة عن تنظيم بطولة كأس العالم حتى يُرفع الحصار وتنتهي الأزمة بين الأشقاء.
لم تواجه قطر غلّ أشقائها فقط، بل أيضاً حقداً من دول كبرى كانت ترغب باستضافة كأس العالم، لم “تبلع” أن تسبقهم إليه تلك الدولة الصغيرة. إضافة لمواجهة لوبي عالمي لم يستسغ أن تستضيف دولة عربية مسلمة في الشرق الأوسط حدثا عالميّا بهذا الحجم. فتعرّضت الدوحة -ومازالت- لحملة تشويه وانتقاد متواصلة. كلّ ذلك لم يدفع قطر للتراخي أو الانصياع أو التنازل. هي التزمت بكلّ ما وعدت به في ملفها المقدّم للاتحاد الدولي لكرة القدم لتنظيم البطولة، لكنها لم تقدّم تنازلات تتعارض مع قيمها ودينها ودستورها. بل على العكس، هي أقدمت على أمور كان بإمكانها التساهل بها.
فليس تفصيلاً أن تستهل قطر حفل افتتاح أهم حفل كروي على وجه الأرض بآية من القرآن الكريم. وليس تفصيلاّ أن تمنع شرب الكحول في الملاعب التي ستقام فيها المباريات، في الوقت الذي تشكل الثمالة تقليداً في الغرب يرافق مشاهدة مباريات كرة القدم. وليس تفصيلاً إصرار قطر على منع رفع الشعارات التي تدعو إلى “الشذوذ” -الذي باتوا يطلقون عليه اسم “المثلية”- أو ممارسة أي فعل ينافي الحشمة في الأماكن العامة. وليس تفصيلاً أن تبادر لاستضافة كبار الدعاة العالميين خلال أيام المونديال، وإفساح المجال لهم للوعظ والتعريف بالقيم الإسلامية وتوضيح ما اعترى هذه القيم من تشويه. وليس تفصيلاً أن يتم إيقاف الموسيقى والفعاليات في مناطق المشجعين لرفع الأذان. كل هذه الأمور ليست تفاصيل يمكن المرور عليها دون تمحيص.
كان سهلا بالنسبة لقطر أن تثير إعجاب العالم والأنظمة والجماهير الأجنبية الغفيرة التي قدِمت إليها، وأن تستغلّ فرصة وجودها لتقديم صورة الدولة المنفتحة القريبة من قيم الغرب كما تفعل دول خليجية أخرى.
على العكس.. وقفت قطر وحدها بمواجهة تكتّل عالمي يدعو للشذوذ والانحلال، وحافظت على هويتها وقيمها، وأعلنت بشكل واضح أنها لن تغيّر دينها وأخلاقها وقيمها من أجل (28 )يوماً هي أيام كأس العالم.

كاتب لبناني.

* (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق