خالد سليمان( أبوالحسن )*
بادئ ذي بدء،لا بد من الاعتراف بأن استقلال الفرد واختياره لتوجّهاته السياسية ومساره السياسي، هو حق مشروع في إطار الوطنية الفلسطينية المتصالحة مع الدين. ولا ننكر أن الفكر الفصائلي عموما قد استهلك، بل وتقادم عليه الزمن، ولم يعد له ذلك الوهج الذي رافق مسيرة الثورة الفلسطينية، الأمر الذي يعني ضرورة إصلاح هذا الفكر، وهو أمر متروك لأصحابه.باعتقادي أن ما تبقّى من هذا الفكر ويستحق الإهتمام، هو ذلك المتّصل بمسألة الهوية والمقاومة. إن الدعوة لمغادرة الفكر الفصائلي إلى دائرة الاستقلال، على قاعد الخروج من المأزق الراهن، إيهاما بأنه الحل السحري الذي سينقذ سفينة المجتمع الحائرة في بحر متلاطم،ضرب من الوهم السياسي. فالاستقلال ليس هو الحل السحري، ولا الترياق من العراق، كما يقال! ونسأل أنفسنا سؤالا مركزيا: ما هي السياسات التي سينتهجها الاستقلال في حال وصوله إلى السلطة عبر الصندوق؟ هل هي سياسة السلطة ومنظمة التحرير؟! أم سياسة غزة والمـقـاومة؟! أم سيتبنّى طريقا ثالثا، لا إلى هؤلاء ولا إلا هؤلاء؟! هل صندوق الانتخاب كاف لتمكينهم من ممارسة العمل السياسي؟ هل الشرعية الدولية ستمكّنهم من ذلك رغما عن “إسرائيل”؟! هل سيتبنون سياسات مناهضة لاسرائيل، أم لا؟! نحن نعلم أن السياسة الفلسطينية الراهنة والرسمية قد تقلّصت إلى حدها الأدنى،بينما تُجابَه سياسة المقاومة بكل الوسائل لهزيمتها والقضاء عليها. كيف سيشق المستقلون طريقهم، وسط هذه الأمواج العاتية والمتلاطمة في السياسة الفلسطينية؟! ما هي وسائلهم، مرتكزاتهم، أرضيتهم، التي سيقفون عليها؟! لو تمركزوا حول الثوابت الفلسطينية،فلن تقبل بهم” إسرائيل”، كما لم تقبل بعرفات من قبل، رغم اعترافه ب” إسرائيل”! لو تبنّوا سياسة السلطة الراهنة في شقها السياسي،فلن تقبل بهم “إسرائيل”! لو انحازوا إلى جانب المقاومة فلن تقبل بهم “إسرائيل” ! السبب أن هذا الملف، هو ملف إسرائيلي- أميركي بامتياز، ولا يسمح لأحد بالتدخّل فيه إلا بمقدار ما يخدم السياسة الاسرائيلية، بعيدا عن تفصيل مواقف كل الأطراف الأخرى. إنني مع إقراري بحق الاستقلال في السياسة الفلسطينية، إلا أنني أرى هذا الطرح، وفي صيغته التي يقدّم فيها من قبل بعض الاشخاص، أراه عائما غائما يغمض عينيه عن واقع بالغ التعقيد، كما لو أن الكيان غير موجود. أخشى أن يكون هذا الطرح مجرد نزوة نابعة من الإحتجاج على واقع بعينه لا أكثر ولا أقل. وهذا في الحقيقة ثالثة الأثافي، لا يعبّر عن سياسة، ولا عن رؤية سياسية، وبرنامجه الوحيد يقتات على تنفير الناس من الفصائل، وتحبيبهم بالاستقلالية، وهذا يشبه من وجه من الوجوه طرح غيث العمري في الوشنطن انستتيوت حول فشل الأطراف ( حماس، فتح) وضرورة استبدالها بالحوكمة، ودعايات أخرى منتشرة في الاوساط ،لا داعي لذكرها لما تثيره من جدل. واعتقد أخيرا أن تكريم الجمهور للدكتور عبد الستار قاسم، لا لكونه مستقلا، بل لكونه مثقفا مشتبكا، محافظا على الثوابت، منحازا لقضايا شعبه، وإن كان على المستوى الشخصي غير متحزّب، ولم نفهم من تكريمه إلا هذا. إن القضية الفلسطينية بحاجة إلى جهد الشعب كل الشعب الفلسطيني، حتى تستطيع الوقوف على قدميها، لذلك ما زلت عند قولي : إننا بحاجة إلى صيغة سياسية فلسطينية بالأساس ،تمكّننا من إدارة الصراع.
* نائب إسلامي فلسطيني
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)
زر الذهاب إلى الأعلى 
