مقالات

أعلام الدعوة(٥)… الشيخ حامد البيتاوي

أحمد نوفل

الشيخ حامد البيتاوي. ابن (بيتا )نابلس.
تولد الشخصية القيادية، ومعها مواهبها القيادية،ومؤهّلاتها، وعناصرها، ثم تأتي الدراسة والتجربة والخبرة، صاقلة لهذه المواهب ،منمّية له،متمّمة معمّقة،والشيخ حامد عيّنة على هذا ونموذج، فهو شخصية قيادية بالميلاد، موهوب، مبادر، متحمّل للمسؤولية، صاحب قرار، قارئ، مثقف، عالم، عامل، مضح، جريء، شجاع… ولا أفصل مزيداً.
كان أول تعرفّي به ،سنة 1964 في نابلس، وهو من قرية من قراها، وكان قد سبقنا إلى الالتحاق بكلية الشريعة، ولما علم أنّي في سنة التوجيهي ،قال: أنا أحمل أوراقك إلى كلية الشريعة، وأقدّم الطلب للالتحاق بها نيابة عنك، حتى يأتي موعد المقابلة، فتذهب للمقابلة، وقد حصل، وكان السفر إلى عمّان ليس بالأمر السهل، وبالكاد نملك أجرة المواصلات، وكان أن أكرمنا الله بدخول الكلية، سنة 1965،وكانت نقلة هائلة، وأكرمنا الله بالتفوّق.
وطيلة مدّة دراستنا المشتركة، وهي 3 سنوات ،كانت الصلة على أوثق ما تكون، وقد ترافقنا معاً في زيارة للأقصى والخليل، وكانت كما قال القائل:
المسجد الأقصى أجئت تزوره .. أم جئتَ من بعد الضياع تودّعه
وتخرّج الشيخ ،وعاد إلى فلسطين،ليعمل في التدريس والإمامة والخطابة والدعوة، وهذا قد يتسبّب له في مشكلات مع الاحتلال،تُعرّضه للاعتقال ،والسجن، أو للنفي، فقول: كلمة الحق ،لا تمرّ ببساطة ويسر، بل لها ثمنها وتكلفتها، وقد تعرّض الشيخ للسجن مرات، فيما أعلم، وظلّ يؤدي دوره في التبصرة والتوعية، والنهوض بالهمم والعزائم والإرادات، وتوحيد الصفوف، وقد تشرذمت الأمة، وتحوّلت إلى عناصر، وتحلّلت الإرادة ،فلم تنعقد على شيء ذي بال، ومهمة المصلح الاجتماعي ثقيلة كالجبال،يتحمّل صاحبها الأهوال، والله المستعان على كل حال.
ثم داهمت الشيخ حامد الأمراض ،وكان الأشدّ من بينها السكري، الذي تسبّب في فقدان بعض أطرافه..
وقد جاء للمعالجة أكثر من مرة في الأردن، وكنا نلتقيه، وفي آخرها ،كان من الواضح أن المرض قد تمكّن منه،وعاد إلى فلسطين،وما لبث غير قليل ،حتى كان الخبر الفاجع بموت أخينا العزيز ،الوفي، الشهم ،الرجل الشجاع ،القيادي المحبوب الموهوب، الصابر المحتسب ،الثابت القابض على الجمر.. المحتمل، الكفؤ في حمل أمانة دعوة الله، المؤدّي لها بحب ووفاء وتضحية ،غير سائل ما يكون الثمن ،فكل ثمن في جنب الله، واكتساب مرضاته قليل، وسكت لسان، طالما صدع بالحق ،وأعلى شأنه بالحجة والبرهان، وناصع البيان، والإخلاص،الذي يملأ القلب والجنان.
وبعد سنوات من وفاة الشيخ حامد ما يزال ذكره ولن يزال على لسان كل من عرفوه وأحبوه واهتدوا على يديه.
تلك أمة قد خلت لا نذكرها إلا وندعو لها ونذكرها بخير الخير وحسن الأحدوثة، فقدنا بفقد الأخ حامد نموذجاً ومثالاً ومثلاً وقدوة وقائداً.. ويعزينا أن الأمة ولادة، رحمك الله يا شيخ حامد، ولا زلنا نذكرك بالمحامد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق