بقلم : طارق أبوحمزة*
درسنا في الجامعة عن بعض الأمم الإفريقية التي تخجل من تاريخها ،وعدم مقاومة أبنائها للأوربيين الذين جاؤوهم مستعمرين ، أو ليخطفوا أبناءهم عبيداً.
عن خجل فرنسا من خضوعها الجبان للقوات النازية، ثم عمالة كثير من أبنائها (وبناتها) وقادتها للنازية.
عن أمم مثل أستراليا، التي لم تجد في تاريخها ما يشرّف ويوحّد ويبني هوية.
عن خجل يهود العالم من عدم مقاومتهم لمذابح النازية بالنار والدم والتضحيات والبطولة..
كل هذه الأمم تخجل من تاريخها، فاخترعت قصصاً للبطولة من العدم، أو من شبه العدم: أخذوا حالات فردية أو محدودة هنا وهناك، ثم نفخوها وزيّنوها وبالغوا فيها، ثم اغدقوا عليها من الروايات والأفلام والأغاني..
كل ذلك بهدف اختراع رموز وبطولات تعطي معنى لوجودهم كأمة أو دولة،فالأمم ليست دائماً ظواهر طبيعية أو تاريخية..
كثير من الأحيان، يتم اختراع الأمم والدول لغايات في نفس منشئيها..
هنا يأتي فضل الله والقرآن.. وفضل مسرى محمدٍ ﷺ علينا..
استمعت وأصغيت للكلام الفذ الملهم لأم الشهيد إبراهيم النابلسي …
نستطيع تجميع كتب وموسوعات عن كلمات مشابهة قالتها أمهات وزوجات وبنات وأخوات شهداء استشهدوا هنا ، دفاعاً عن الإسلام وفلسطين ومسرى سيدنا محمد ﷺ…
عندنا هنا تراث مهول من البطولة والرمزية والجمال..
تراث بدأ يتراكم منذ ارتفعت أول قطعة سلاح في وجه بريطانيا العظمى، وحتى اليوم…
بل إن البعض يجد لهذا التراث جذوراً بدأت منذ نهضة الأمة لنزع الصليبيين من بلادنا قبل ألف عام..
حتى إن كثيراً من أغاني الأعراس التي تغنّيها النساء في بلادنا، تجدها مليئة بجماليات رائعة تفيض ايماناً وعنفوناً وثورةً وتحدي وبطولة!
هذه نعمة وكنز عظيم ، سيكون له ما بعده من ناحية تشكيل هوية أمتنا التي نريد إحيائها..
نعم ،لا أقصد”القضية الفلسطينية” وفلسطين فقط..
الأمة العربية والإسلامية التي نسعى لبعثها حيّة بعد قرون الجهل ثم الاستعمار ثم الدكتاتورية…
معركتنا في فلسطين، هي بلا شك جزء واحد من المعركة الشاملة الواسعة للأمة العربية والإسلامية،
لكن بسبب ظروف تارخية وجغرافية ودينية معيّنة، الأنظار والقلوب تتجه لهذه البقعة المقدسة بشكل خاص ومختلف…لا بأس.. لا تظنوا أن هذا عدم توازن خاطئ..
هذه فرصة لنجعل من رمزيات الايمان والبطولة والفداء والثورة التي لم ولن تنتهي من فلسطين…
جعل هذا التراث الرمزي والبطولي مدعاة للإلهام والتشجيع ورفع المعنويات لأبناء الأمة في كل مكان.
أحيانا أشعر أن هذا الجانب، هو جزء من البركة التي جعلها الله في بيت المقدس وأكنافه..
بركة معنى وهدف واعتزاز وثقة…تبدأ من دماء الأبطال ومن يقين أمهاتهم..وتنتهي بأمة حرة.. خير أمة أخرجت للناس.
* باحث فلسطيني في العلوم السياسية والعلاقات الدوليٌة.
* (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).